الايام السالفة، بحيث تقنع العالم بأن الايدي البشرية أعجز من ان تسحق الحق الالهي. وبكلمة موجزة، لقد تلاشت المعارضة كلها.
ونفذت الحقيقة الاسلامية إلى أعماق قلوب المكيين. فانضووا تحت راية الاسلام زرافات زرافات. واستوى الرسول في مرتفع من جبل الصّفا ليتقبّل دخولهم في الجماعة الاسلامية. لقد أقبل الرجال يتبعهم النساء اللائي اعتنقن الدين الجديد بأعداد ضخمة. وإنما فعلوا كلهم ذلك على نحو تلقائيّ. فلم يكره أيّ منهم على اعتناق الاسلام بالقوة. وكان ثمة أيضا فريق لم ينشرح صدره للاسلام، ولكن أيما أذى، مهما ضؤل، لم ينزل بهم بسبب من ذلك. لقد تعلّقوا بأهداب عقيدتهم الوثنية الخاصة، ولكن المسلمين عاملوهم في إحسان بالغ. كانت تشدّهم إلى المسلمين صلات ودّ وصداقة، حتى لقد قاتلوا مع المسلمين كتفا إلى كتف عندما وقعت معركة حنين. وهكذا يعتبر فتح مكة دحضا قاطعا للتهمة القائلة بأن الاسلام لم ينتشر قط إلّا بالسيف، إذ هل كان في الامكان ان تنشأ لمثل هذا الادخال القسريّ في الدين فرصة خير من هذه الفرصة؟ فالواقع ان أيما حادثة من حوادث الإكراه لم تقع في تلك المناسبة. واليك اعتراف ميووير حول هذه النقطة:
«على الرغم من ان البلدة رحبت بسلطانه ترحيبا بهيجا، فلم يكن جميع سكانها قد اعتنقوا الدين الجديد، ولم يكونوا قد اعترفوا رسميا بصحة دعواه النبوئية. ولعله عقد العزم على ان يسلك ههنا ذلك النهج الذي سلكه في المدينة، ويدع الناس يدخلون في الاسلام، شيئا بعد شيء، من غير ما إكراه.»