كان الاسلام قد اكتسب الآن شعبية عامة في طول بلاد العرب وعرضها. لقد انتشر نبأ انتصاره النهائي إلى أقصى زوايا الجزيرة.
ولم يكن الناس غافلين عما جرى، طوال سنوات وسنوات، بين الرسول وقريش. لقد شهدوا، في لهفة وشوق، مراحل الصراع كلها. لقد عرفوا كيف عذّبته قريش وعذّبت أصحابه لتبشيرهم بالفضيلة وبوحدانية الله، وكيف قامت- بعد هجرتهم- بمحاولات متعددة استمرت ثماني سنوات، لسحق المسلمين. والواقع ان الذين شهدوا مواسم الحج السنوية حملوا هذه الأنباء إلى زوايا البلاد القصوى.
وكان الناس على علم أيضا بنبوءة الرسول القائلة بأن كل مقاومة للاسلام سوف تتلاشى آخر الأمر. وهكذا أخذت الوفود تتدفّق على المدينة من كل حدب وصوب. فكان الرسول يستقبلها في حفاوة بالغة، ويعلمها مبادئ الاسلام في لطف ليس بعده لطف. وكان يبعث مع الذين يعتنقون الاسلام بمعلّم يفقّههم في الدين. وهكذا تقاطرت إلى المدينة في النصف الأول من هذه السنة بالذات وفود مقبلة من مواطن قصيّة كاليمن، وحضرموت والبحرين، وعمان، والتخوم الشامية والفارسية. يا لتحريف الحقائق! إن الجهل والهوى يعزوان انتشار الاسلام إلى اصطناع السيف. على حين ان الواقع يقول إن انتشار الاسلام ظلّ راكدا ما بقيت حالة الحرب بين المسلمين والمشركين.
فما إن أقرّ السلام حتى انتشر الاسلام في كل ناحية بخطى واسعة. لقد بدا وكأن قوة غير منظورة كانت تعمل على إدخال الناس في دين الله أفواجا بعد أفواج. ولم يبعث في أيما يوم بحملة عسكرية إلى أيما بلد من تلك البلاد التي أقبلت الوفود منها تلك هي الحقيقة التي شاءت سخرية القدر ان تحرّف إلى اليوم تحريفا متعمّدا. فلطالما ساعدت الحرية والسلام، ولسوف يظلان يساعدان إلى الأبد، على انتشار الاسلام.