الطريقة الفضلى للدفاع عن النفس هي ابقاء العدو خارج تخوم بلاد العرب، ومن ثمّ ضرورة تسيير حملة إلى تلك التخوم. وهكذا دعا الرسول القبائل جميعها إلى الدفاع عن وطنها. كان الخطر المحدق يهدد أمن بلاد العرب كلها. ولكن عقبات عديدة كانت تعترض هذه السبيل.
كانت الرحلة طويلة، وكان الجو لاهبا. كانت المحاصيل قد نضجت، فهي تنتظر المنجل. وفوق هذا كله كان الخوف من مواجهة جيوش الامبراطورية الرومانية الحسنة الانضباط والتدريب يساور كثيرا من القلوب. وإلى هذا فلم يكن في امكان المسلمين ان يقوموا بمثل هذه الرحلة الطوية سيرا على الاقدام. وكان ثمة كثيرون لا يملكون من المال ما يمكنهم من شراء بعير أو جواد يستعينون به على الرحلة، ولم يكن الرسول بقادر على تزويدهم بشيء من ذلك. وهنا تبرّع عثمان [بن عفان] للحملة بألف بعير وعشرة آلاف دينار. وجهّز جيش مؤلف من ثلاثين ألف مقاتل، ففصل من المدينة في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة. حتى إذا بلغوا الحجر، موطن ثمود، أمرهم الرسول بأن يمروا بأطلالها في سرعة، معلّما إياهم بذلك درسا مفاده ان المسلم يجب ان لا تكون له أية علاقة بقوم خالفوا وصايا الله.
وعند منتصف الطريق بين المدينة ودمشق، على مسيرة اربعة عشر يوما من المدينة الأخيرة، تقع تبوك. وهنا عسكر الجيش الاسلامي، وأنشأ ينتظر أنباء العدوّ. لقد بدا وكأن القوة الاسلامية الحالية، مردفة بذكرى بسالة الثلاثة آلاف مسلم في مواجهة مئة ألف [من الروم] في موقعة مؤتة السالفة، قد أوهنت قوى قبائل غسان، ولخم، وجذام وغيرهم. وتخلّى قيصر أيضا عن فكرة الهجوم. وحين انتهى الرسول إلى الحدود وجدها آمنة بالكليّة. فلو ان غرضه كان فرض الاسلام بالسيف، كما يزعم في مناسبة وغير مناسبة، فهل كان في الامكان ان تكون ثمة فرصة لذلك خير من هذه الفرصة؟ لقد كان ثمة