والاشجار، وأكوام الرمل. وكانوا يخرّون ساجدين أمام ايما حجر جميل قد تقع عليه أبصارهم. فاذا ما عدموا أيما حجر نزعوا إلى عبادة كثيب من الكثبان بعد أن يكونوا قد حلبوا ناقتهم على رماله.
وكانوا يعتبرون الملائكة بنات الله. وحتى المشاهير من الرجال عبدهم العرب فنقشوا اوثانا وسمّوها باسمائهم. ولم يكن ضروريا عندهم أن تكون الحجارة منقوشة أو منحوتة كما ينبغي لها أن تنقش أو تنحت.
حتى الحجارة الجافية غير المنحوتة كانت تفي عندهم بالغرض. وكانوا إذا ما انطلقوا في رحلة حملوا معهم اربعة أحجار، فأما الثلاثة الأولى فلكي ينصبوا بها موقدا، واما الرابع فلكي يسجدوا له ويعبدوه.
وكانوا في بعض الأحيان لا يحملون حجرا مستقلا لأغراض العبادة.
فما إن يفرغوا من طهو طعامهم حتى ينتزعوا ايما اثفيّة من الاثافي الثلاث ويسجدوا لها. وعلاوة على الثلاثمئة والستين وثنا المنصوبة في الكعبة كان لكل قبيلة وثن خاص بها. بل لقد كان ثمة في كل بيت وثن. وبكلمة موجزة، كانت عبادة الاوثان قد أمست عندهم طبيعة ثانية فرضت سلطانها على حياتهم اليومية بتفاصيلها كلها. وكانت الفكرة الرئيسية التي يقوم عليها ايمانهم ان الله قد أناط السيطرة على نظام الكون هذا وأناط إدارته بآلهة آخرين خوّلهم كامل القوة والسلطان، فهم قادرون على أن يشفوا المرضى، ويرزقوا الناس أولادا، ويقضوا على المجاعة والأوبئة. وليس من سبيل إلى الفوز بالرضوان الربّاني إلا من خلال هذه الاوثان وبفضل شفاعتها. كانوا يسجدون لها، ويطوّفون حولها، ويذبحون لها القرابين، ويفردون جزآ من نتاج حقولهم من حيواناتهم لتقديمه اليها. من حضيض هذه الوثنية المخزية انتشل الرسول محمد عليه السلام بلاد العرب كلها في فترة من الزمان قصيرة لا تعدو عشرين عاما. انه لم يستأصل الوثنية من بلاد العرب استئصالا نهائيا فحسب، بل اضرم في قلوب اولئك العرب أنفسهم