وانضوى رجال عظام من مثل ابي بكر وعمر تحت لوائه كجنود عاديين. وإنما قصد بذلك إلى ان يؤكد، عشية مفارقته الحياة الأرضية، مبدأ المساواة بين البشر. وعسكر الجيش [في الجرف] خارج المدينة، ولكن اشتداد المرض بالرسول حال دون مسيره. ودعا الرسول نساءه واستأذنهن أن يمرّض في بيت عائشة فأذنّ له في الانتقال.
وحتى آخر لحظة من لحظات حياته لزمت عائشة فراشه ومرّضته. ولم ينقطع، وهو في مرضته هذه، عن الشخوص إلى المسجد ليصلي بالناس جريا على مألوف عادته، ولكنه استشعر أنه اضعف من ان يقدر على الكلام. وذات يوم طلب إلى ازواجه ان يرقن عليه [سبع قرب] قبل أن يوفق للخروج إلى الناس، وان يعصبن رأسه. وبعد ان صلى بالناس خاطب المصلين قائلا: «ان عبدا من عباد الله خيّره الله بين الدنيا والآخرة وبين ما عنده فاختار ما عند الله.» وفي الحال أدرك أبو بكر أن الرسول كان يشير إلى نهايته الوشيكة، فلم يتمالك عن البكاء [وقال: «بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا!» ] وعندئذ أمر الرسول أن تقفل جميع الأبواب المؤدية إلى المسجد إلا باب أبي بكر.
ثم سأل المهاجرين أن يستوصوا بالأنصار خيرا.
وفي اليوم التالي ازداد الرسول ضعفا. وحين اذّن بلال للصلاة حاول ان ينهض ويتوضأ، ولكنه ألفى نفسه عاجزا عن ذلك. عندئذ قال: «مروا ابا بكر فليصلّ بالناس.» فاعتذرت عائشة عن أبيها قائلة ان ابا بكر رجل رقيق القلب، وخليق به ان ينفجر بالبكاء وهو يرتل القرآن. وإلى هذا فقد كان ضعيف الصوت. ولكن الرسول كرر قوله: «مروا ابا بكر فليصلّ بالناس!» وكرة أخرى اعتذرت عائشة عن أبيها، ولكن الرسول أصرّ على رأيه، وهكذا صلى ابو بكر بالناس. وذات يوم أحسّ بشيء من الراحة فأزاح ستارة بيته جانبا وخرج إلى المسجد. وكان [ابو بكر] ساعتئذ يصلي