وكان زيد بن حارثة عتيقا* لرسول الله. ولقد سبق منا الألماع إلى حبّه العميق لسيده. إذ آثر الحياة مع الرسول على الحياة مع أهله وعشيرته، رافضا العودة مع أبيه إلى بيته. لقد كان هو أيضا من السابقين إلى الايمان.
وكانت خديجة، وأبو بكر، وعليّ، وزيد على أوثق الصلة بالرسول، وكان لهم أعظم الاطلاع على حياته الخاصة. وبالنسبة نفسها آمنوا كلهم ارسخ الإيمان بنبوّته. إن أيا منهم لم يخامره أدنى الشك في صدق رسالته. كانوا قد عرفوا فيه «الأمين» طوال سني حياته السالفة. ولم بسمعوه طوال السنوات الاربعين التي سبقت تلقّيه النداء الالهي ينطق بكذبة واحدة. وهكذا كان مما يفوق التصور عندهم ان يفكروا لحظة واحدة أنه قد ينزع إلى ادعاء النبوّة كذبا وبهتانا. وليس من ريب في انهم كانوا لا يستطيعون ان ينظروا اليه نظرتهم إلى مخادع دجال. وإذ رافقوه منذ أيام صباه الأول فقد أتيحت لهم فرصة للنفاذ إلى سمات خلقه الاشدّ ايغالا في الباطن. كان المرء كلما ازداد معرفة بالرسول ازداد افتتانا به وتعاظم نزوعه إلى تصديق رسالته. وهذا المظهر من خلق الرسول يكره حتى نقادا من مثل ميووير Muir وشبرانغر على الاعتراف بأن محمدا، صلى الله عليه وسلم، كان صادقا كل الصدق في دعواه. كانت له ثقة كاملة في الصفة الالهية لما تلقّاه من وحي. ولو قد كان ثمة ظل من الرياء في دعواه اذن لكان خليقا بأولئك الذين كانوا على مثل هذه الصلة الحميمة به أن يكونوا هم أول من يرتاب به وينبذه. ولكنهم على العكس، كانوا هم السابقين إلى الاعتراف به رسولا صادق القول حقيقيا.
وما ان اعتنق ابو بكر الاسلام حتى راح يبشّر الآخرين برسالة الحق. إلى هذا الحدّ كان ايمانه بصدق دعوى الرسول عميق الجذور!
(*) العتيق: العبد المعتوق الذي فاز بحريته.