responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم نویسنده : أبو زهرة، محمد    جلد : 1  صفحه : 221
158- كان محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام صبورا أبلغ ما يكون الصبور، فقد كان قبل البعثة الصابر فى المنشط والمكره، والصابر فى الفقر والغني، والصابر فى العجز والمقدرة، ثم كان بعد البعثة الصابر فى أداء الرسالة، وتبليغها والدعوة إليها، صابر المشركين عند الدعوة، صابر قومه الذين جفوه، ونكروه وهم يعرفونه، وكذبوه، وهو الصادق الأمين، ورموه بالسحر كذبا، والجنون افتراء، وقالوا ما قالوا فيه وفى رسالته، وقد وسع صبره كل افترائهم، فما وهن فى دعوته، ولا يئس من إجابته، وكان يرضى فى أن يصدع بأمر ربه وهو يصبر على إنكارهم من غير أن ييأس من إيمانهم، ويدعو عليهم، فلم يقل كما قال نوح: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ، وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [1] بل قال: «إن قومى لا يعلمون» وقال: «إنى أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله» ، ولكل نبى من أنبياء الله تعالى فضل، وقد فضل بعض النبيين على بعض.
ولقد اذوه، واذوا أصحابه، وهو القادر على أن يقمعهم، أو يدعو عليهم بالمقت، ويسخط عليهم، وإنزال غضب الله تعالى عليهم، بل إنه كان يتلقى كل ذلك بالرجاء والاطمئنان إلى أنه مبلغ رسالة ربه، غير وان ولا مقصر، مدركا أن الله تعالى بالغ أمره، وأن العاقبة للمتقين.
كان طاغيتهم يلقى عليه فرث الجزور، وهو يصلي، فما يغضب، ولا يثور، لأن الغضب يفقد الحق قوته، والثورة تطيش حولها أحلام من يدعوهم، وهو حريص على أن يترك لهم حرية الاختيار، وتقدير الأمر فى أناة، وهدأة مدركة، والغضب يدفع إلى الملاحاة والمنازعة، وهو يريد أن ينزع من قلوبهم سخيمة الحقد الملاحي، بل يضع فى قلوبهم قوة الحقيقة تسرى فى قلوبهم، وتنساب فى نفوسهم، وهم مطمئنون من جانبه غير منزعجين.
يصبر عليه الصلاة والسلام صبر الطبيب يعالج المريض، وقد هاج هياجه، وأرغى زبده، فيأخذه فى حكمة، عالما أن المقاومة من المرض ذاته، وأن غايته معافاة المريض، فليصبر، حتى يصل إلى هذه الغاية غير منزعج، ولا مخاصم، ولا معاند.
ولقد صبر عليه الصلاة والسلام على استهزائهم وعلى سخريتهم، وهو اخذ نفسه بأنهم كلما سخروا منه زادت عنايته بالدعوة، وزادت قوته فى الاحتمال ورغبته فى المصابرة، غير متحمل ولا ييئس، فإن

[1] سورة نوح: 26، 27.
نام کتاب : خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم نویسنده : أبو زهرة، محمد    جلد : 1  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست