فهذه الآية الكريمة احتج بها العلماء على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتهاده؛ وأن هذا الحكم معصوم فيه، بدلالة قوله تعالى: {بما أراك الله} فإذا أقره رب العزة على اجتهاده فى حكمه فهو حكم الله فى النهاية.
وفى الصحيحين وغيرهما عن أم سلمة رضى الله عنها قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مواريث بينهما قد درست، ليس عندهما بينة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلى، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن [1] بحجته من بعض، وإنما أقضى بينكم على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه؛ فإنما أقطع له قطعة من النار، يأتى بها إسطاماً [2] فى عنقه يوم القيامة. فبكى الرجلان، وقال كل منهما: حقى لأخى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إذ قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما [3] ثم ليحلل لك واحد منكما صاحبه" [4] وفى رواية: "إنى إنما أقضى بينكم برأيى فيما لم ينزل على فيه" [5] . [1] اللحن: الميل عن جهة الاستقامة، يقال: لحن فلان فى كلامه، إذ مال عن صحيح المنطق. والمراد: إن بعضكم يكون أعرف وأفطن وأقدر على عرض حجته من غيره. النهاية 4/208. [2] إسطاماً، ويروى: سطاماً – بكسر السين وفتح الطاء: هى الحديدة التى تحرك بها النار وتسعر. أى أقضى له ما يسعر به النار على نقسه ويشعلها، أو أقطع له ناراً مسعرة. النهاية 2/329. [3] أى: اقترعا. [4] أخرجه أحمد فى المسند 6/320، والحديث سبق تخريجه من رواية البخارى ومسلم ص391. [5] أخرجه أبو داود فى سننه كتاب الأقضية، باب قضاء القاضى إذا أخطأ 3/302 رقم 3585 من حديث أم سلمة، وعزاه الحافظ فى فتح البارى 13/185 رقم 7181 إلى أبى داود وسكت عنه وما سكت عنه فهو دائر بين الصحة والحسن كما قال فى هدى السارى ص6 وكذا صرح التهانوى فى قواعد فى علم الحديث ص89.