نام کتاب : محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة نویسنده : مونتجمري وات جلد : 1 صفحه : 210
يضعه فى بيته [5] لكن- بشكل عام- ان عرب هذه الفترة لا يدركون الا بالكاد عبادة أى اله بشكل منفصل عن بعض الطقوس التى تتم ممارستها عند بعض الأنصاب (نصب الأصنام. (Shrines وهم بذلك يختلفون- على سبيل المثال- عن توقير المسيحيي الكاثوليكى للعذراء مريم المباركة، فعبارة (سلام لك يا مريم (Hail Mary يمكن أن تذكر فى أى مكان. ومناة- من ناحية أخرى- وفقا للنظرة السائدة بين [5] ابن هشام، 301، 11.
ويضيف سير وليم موير الى هذه الرواية، التى وردت فى بعض كتب السيرة وكتب التفسير، حجة يراها قاطعة بصحة حديث الغرانيق. ذلك أن المسلمين الذين هاجروا الى الحبشة لم يك قد مضى على هجرتهم اليها غير ثلاثة أشهر، أجارهم النجاشى أثناءها وأحسن جوارهم. فلم يكن قد ترامى اليهم خبر الصلح بين محمد وقريش لما دفعهم الى العود حرصا على الاتصال بأهليهم وعشائرهم. وأنى يكون صلح بين محمد وقريش اذا لم يسع محمد اليه، وقد كان فى مكة أقل نفرا وأضعف قوة، وقد كان أصحابه أعجز من أن يمنعوا أنفسهم من أذى قريش ومن تعذيبهم اياهم! هذه هى الحجج التى يسوقها من يقولون بصحة حديث الغرانيق، وهى حجج واهية لا تقوم أمام التمحيص. ونبدأ بدفع حجة المستشرق موير؛ فالمسلمون الذين عادوا من الحبشة انما دفعهم الى العودة الى مكة سببان: أولهما أن عمر بن الخطاب أسلم بعد هجرتهم بقليل. وقد دخل عمر فى دين الله بالحمية التى كان يحاربه من قبل بها، لم يخف اسلامه ولم يستتر، بل ذهب يعلنه على رؤوس الملأ ويقاتلهم فى سبيله. ولم يرض عن استخفاء المسلمين وتسللهم الى شعاب مكة يقيمون الصلاة بعيدين عن قريش، بل دأب على نضال قريش حتى صلى عند الكعبة وصلى المسلمون معه. هنالك أيقنت قريش أن ما تنال به محمدا وأصحابه من الأذى يوشك أن يثير حربا أهلية لا يعرف أحد مداها ولا على من تدور دائرتها. فقد أسلم من مختلف قبائل قريش وبيوتاتها رجال تثور لقتل أى واحد منهم قبيلته وان كانت على غير دينه. فلا مفر اذا من الالتجاء فى محاربة محمد الى وسيلة لا يترتب عليها هذا الخطر. والى أن تتفق قريش على هذه الوسيلة هادنت المسلمين فلم تنل أحدا منهم بأذى. وهذا هو ما اتصل بالمهاجرين الى الحبشة، ودعاهم الى التفكير فى العودة الى مكة. وربما ترددوا فى هذا العود لو لم يكن السبب الثانى الذى ثبت عزمهم؛ ذلك أن الحبشة شبت بها يومئذ ثورة على النجاشى، كان دينه وكان ما أبدى من عطف على المسلمين بعض ما أذيع فيها من تهم وجهت اليه. ولقد أبدى المسلمون أحسن الأمانى أن ينصر الله النجاشى على خصومه؛ لكنهم لم يكونوا ليشاركوا فى هذه الثورة وهم أجانب، ولم يك قد مضى على مقامهم بالحبشة غير زمن قليل. أما وقد ترامت اليهم أنباء الهدنة بين محمد وقريش، هدنة أنجت المسلمين مما كان يصيبهم من الأذى، فخير لهم أن يدعوا الفتنة وراء ظهورهم وأن يلحقوا بأهليهم. وهذا ما فعلوه كلهم أو بعضهم. على أنهم ما كادوا يبلغون مكة حتى كانت قريش قد ائتمرت ما تصنع بمحمد وأصحابه
واتفقت عشائرهم وكتبوا كتابا تعاقدوا فيه على مقاطعة بنى هاشم مقاطعة تامة؛ فلا ينكحوا اليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم ولا يبتاعوا منهم وبهذا الكتاب عادت الحرب العوان بين الفريقين، ورجع الذين عادوا من الحبشة، وذهب معهم من استطاع اللحاق بهم. وقد وجدوا هذه المرة عنتا من قريش اذ حاولت أن تمنعهم من الهجرة. ليس الصلح الذى يشير اليه المستشرق موير، هو اذا الذى دعا المسلمين الى العودة من بلاد الحبشة: انما دعاها هذه الهدنة التى حدثت على اثر اسلام عمر وحماسته فى تأييد دين الله. فتأييد حديث الغرانيق اذا بحجة الصلح تأييد غير ناهض. أما احتجاج المحتجين من كتاب السيرة والمفسرين بالايات: (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) و (ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ... ) فهو احتجاج أشد تهافتا من حجة السير موير ويكفى أن نذكر من الايات الأولى قوله تعالى: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا) لنرى أنه كان الشيطان قد ألقى فى أمنية الرسول حتى لقد كاد يركن اليهم شيئا قليلا فقد ثبته الله فلم يفعل، ولو أنه فعل لأذاقه الله ضعف الحياة وضعف الممات. واذا فالاحتجاج بهذه الايات احتجاج مقلوب. فقصة الغرانيق تجرى بأن محمدا ركن الى قريش بالفعل، وأن قريشا فتنته بالفعل فقال على الله ما لم يقل. والايات هنا تفيد أن الله ثبته فلم يفعل. فاذا ذكرت كذلك أن كتب التفسير وأسباب النزول جعلت هذه الايات موضعا غير مسألة الغرانيق، رأيت أن الاحتجاج بها فى مسألة تتنافى مع عصمة الرسل فى تبليغ رسالتهم، وتتنافى مع تاريخ محمد كله، احتجاج متهافت، بل احتجاج سقيم. أما الايات: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ ... ) فلا صلة لها بحديث الغرانيق البتة، فضلا عن ذكرها أن الله ينسخ ما يلقى الشيطان ويجعله فتنة للذين فى قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم، ويحكم الله آياته والله عليم حكيم. وندع هذا الى تمحيص القصة التمحيص العلمى الذى يثبت عدم صحتها. وأول ما يدل على ذلك تعدد الروايات فيها: فقد رويت، كما سبق القول، على أنها «تلك الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى» . ورواها بعضهم: «الغرانقة العلا ان شفاعتهم ترتجى» . وروى اخرون «ان شفاعتهن ترتجى» دون ذكر الغرانقة أو الغرانيق. وفى رواية رابعة: «وانها لهى الغرانيق العلا» وفى رواية خامسة: «وانهن لهن الغرانيق العلا. وان شفاعتهن لهى التى ترتجى» . وقد وردت فى بعض كتب الحديث روايات أخرى غير هذه الروايات الخمس. وهذا التعدد فى الروايات يدل على أن الحديث موضوع، وأنه من وضع الزنادقة، كما قال ابن اسحاق، وأن الغرض منه التشكيك فى صدق تبليغ محمد رسالات ربه. ودليل اخر أقوى وأقطع؛ ذلك سياق سورة النجم وعدم احتماله لمسألة الغرانيق. فالسياق يجرى بقوله تعالى: (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى. أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى. وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى. إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) وهذا السياق صريح فى أن اللات والعزى أسماء سماها المشركون هم واباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان. فكيف يحتمل أن
نام کتاب : محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مكة نویسنده : مونتجمري وات جلد : 1 صفحه : 210