وقد وردت روايات أخر في مدة إقامة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة بعد الفتح، منها ثماني عشرة، وتسع عشرة، ورجح البيهقي وابن حجر رواية "تسع عشرة" لأنها أكثر ما وردت بها الروايات الصحيحة، وهي ثابتة في صحيح البخاري[1]، ولا منافاة بينها وبين سائر الروايات كما جمع بينها البيهقي نفسه فقال: من روى تسع عشرة عد يوم الدخول ويوم الخروج، ومن قال ثمان عشرة لم يعد أحد اليومين، ومن قال سبع عشرة لم يعدهما.
قال ابن حجر: وتحمل رواية "خمسة عشرة" على أن الراوي ظن أن الأصل رواية "سبع عشرة" فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمس عشرة[2].
وإذا أمكن الجمع بين الروايات تعين المصير إليه، لأن العمل بجميع الروايات أولى من تر ك بعضها، والخلاف في كون الخروج إلى حنين في اليوم الخامس أو السادس، ليس من الخلاف الشديد، بل القولان متقاربان كما هو ظاهر. والله أعلم. [1] 2/39 كتاب تقصير الصلاة، باب ما جاء في التقصير، وكم يقيم حتى يقصر. [2] البيهقي: السنن الكبرى 3/151، وابن حجر: فتح الباري 2/562، وشمس الحق العظيم آبادي: عون المعبود 4/98- 99.
المبحث الثاني: في تعيين الأمير على مكة:
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الخروج إلى غزوة أو غيرها عين أميرا يقوم مقامه مدة غيابه يعلم الناس دينهم ويتفقد أحوالهم ويحل مشكلاتهم، وكانت طاعة الأمير واجبة بطاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
لما ورد في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-:
34- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع[1] أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني "2. [1] وعند أحمد من رواية الأعرج عن أبي هريرة "ومن أطاع الأمير"، وعند مسلم "ومن يطع الأمير".
قال ابن حجر: ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد، فإن كل من يأمر بحق وكان عادلاً فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته، ويؤيده: توحيد الجواب في الأمرين. وكأن الحكمة في تخصيص أميره بالذكر أن المراد وقت الخطاب، ولأنه سبب ورود الحديث، وأما الحكم فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. (فتح الباري 13/112) .
(البخاري: الصحيح 9/51 كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . ومسلم: الصحيح 3/1466 كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية الله، وتحريمها في المعصية. والنسائي: 7/138 كتاب البيعة، باب الترغيب في طاعة الإمام. وابن ماجة: السنن 2/؟؟؟ كتاب الجهاد، باب طاعة الإمام. وعبد الرزاق: المصنف 11/329. وأحمد: المسند 2/244، 252، 270، 313، 342، 416، 471، 511) .