وعلى القول قتادة: فآية الحشر مشكلة مع آية الأنفال، ولأجل ذلك الإشكال قال قتادة: إن آية {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} ناسخة لآية {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه} وهذا القول الذي ذهب إليه باطل بلا شكّ، ولم يلجئ قتادة إلى هذا القول إلاّ دعواه اتحاد الفيء والغنيمة، فلو فرق بينهما كما فعل غيره، لعلم أن آية الأنفال في (الغنيمة) وآية الحشر في (الفيء) ولا إشكال.
ووجه بطلان قول قتادة المذكور:
أن آية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} نزلت بعد وقعة بدر، قبل قسم غنيمة بدر، بدليل حديث علي - رضي الله عنه - الثابت في صحيح مسلم[1] الدال على أن غنائم بدر خمست، وآية التخميس التي شرعه الله بها هذه.
وإما آية الحشر فهي نازلة في غزوة بني النضير بإطباق العلماء، وغزوة بني النضير بعد غزوة بدر بإجماع المسلمين.
ولا منازعة فيه البتة، فظهر من هذا عدم صحة قول قتادة - رحمه الله - تعالى وقد ظهر لك أنه على القول بالفرق بين الغنيمة والفيء لا إشكال في الآية، وكذلك على قول من يرى أمر الغنائم والفيء راجعا إلى نظر الإمام، فلا منافاة على قوله بين آية الحشر، وآية التخميس إذا رآه الإمام، والله أعلم[2].
الفيء في الاصطلاح: "هو كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب".
أي: لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل استسلم بنو النضير وصارت أموالهم فيئا أفاءه الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فتصرف فيه كما أمره الله سبحانه فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح العامة التي ذكرها الله في آيات سورة الحشر[3]. [1] انظر الحديث في صحيح مسلم 3/1568-1570 كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر الحديث مطول وفيه "أن عليا قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم، يوم بدر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا أخرى من الخمس يومئذ" والحديث أخرجه البخاري أيضا في 4/62 كتاب فرض الخمس، باب فرض الخمس. [2] أضواء البيان2/345و352-354 وانظر: فتح الباري6/198،وجامع بيان للطبري 10/1 و2. [3] انظر تفسير ابن كثير 4/335 ومجموع الفتاوى لابن تيمية 28/562 وفتح الباري لابن حجر 6/269. وأوجز المسالك إلى موطأ مالك 8/321.