أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم بعد القسمة كما دل عليه السياق وغيره، وظاهر سياق حديث عمرو بن شعيب الذي أورده محمد بن إسحاق عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد إلى هوازن سبيهم قبل القسمة، ولهذا لما رد السبي وركب علقت الأعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون اقسم علينا فيئتنا حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: "ردوا علي ردائي أيها الناس، فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عدد هذه العضاه نعما لقسمته فيكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا جبانا ولا كذابا". كما رواه البخاري عن جبير بن مطعم بنحوه.
ثم قال: "كأنهم خشوا أن يرد إلى هوازن أموالهم كما رد إليهم نسائهم وأطفالهم فسألوه قسمة ذلك فقسمها - عليه الصلاة والسلام - بالجعرانة كما أمره الله عز وجل[1].اهـ.
قلت: وقد وردت أحاديث غير هذا تدل على أن قدوم وفد هوازن، كان بعد قسم سبيهم بين المسلمين، كما سيأتي ذلك في قدوم وفد هوازن[2]. والذي يهمنا هنا هو ما حصل من هؤلاء الأعراب وغيرهم من الطلقاء وغوغاء الناس الذين لم يكن همهم إلا الحصول على الغنيمة سواء أكان قدوم وفد هوازن بعد قسم نسائهم وأطفالهم على المسلمين، أم كان قدومهم قبل ذلك.
وهذه الأحاديث تدل على حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعة صدره وصبره على عتاة الأعراب وغيرهم من ضعفاء الإيمان، ويزيد ذلك وضوحا ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
181- كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة[3] ومعه بلال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي[4] فقال: "ألا تنجز لي ما وعدتني" [5]. [1] ابن كثير: البداية والنهاية 4/354، 355 وانظر فتح الباري 8/33، 34. [2] انظر ص 435. [3] قال ابن حجر: أنكر الدوادي: الشارح قوله: أن (الجعرانة) بين مكة والمدينة، وقال: إنما هي بين مكة والطائف، وكذا جزم النووي بان الجعرانة بين الطائف ومكة، وهو قول عياض والفاكهي. (فتح الباري 8/46) . [4] وعند مسلم: "رجل أعرابي". [5] وعند مسلم: "ألا تنجز لي يا محمد! ما وعدتني".
قال ابن حجر: "يحتمل أن الوعد كان خاصا به، ويحتمل أن يكون عاما، وكان طلبه أن يعجل نصيبه من الغنيمة فإنه صلى الله عليه وسلم، كان أمر أن تجمع غنائم حنين بالجعرانة، وتوجه هو بالعساكر إلى الطائف، فلما رجع منها قسم الغنائم حينئذ بالجعرانة فلهذا وقع في كثير ممن كان حديث عهد بالإسلام استبطاء الغنيمة واسنتجاز قسمتها 0 فتح الباري8/46.