رحم[1] الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
وأخرجاه من طريق حفص بن غياث حدثنا الأعمش[2] قال: سمعت شقيقا يقول: قال عبد الله: "قسم النبي صلى الله عليه وسلم قسمة - كبعض ما كان يقسم - فقال رجل من الأنصار [3]: والله إنها لقسمة ما أريد بها وجه الله، قلت: أما[4] لأقولن للنبي صلى الله عليه وسلم فأتيته - وهو في بعض أصحابه - فساررته[5] فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وتغير وجهه وغضب حتى وددت أني لم أكن أخبرته، ثم قال: "قد أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر" [6]. [1] عند مسلم "ثم قال: يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" قال: قلت: "لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا". [2] الأعمش هو سليمان بن مهران. [3] قوله: "فقال رجل من الأنصار" قال ابن حجر: "وفي رواية الواقدي: أنه معتب بن قثير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين، وفيه تعقب على مغلطاي حيث قال: لم أر أحداً قال إنه من الأنصار إلاّ ما وقع هنا، وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي، وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما سيأتي قريبا من حديث أبي سعيد الخدري" اهـ.
(فتح الباري 8/56 و69 و10/512 و11/138 و12/292، وانظر: مغازي الواقدي 3/949 والروض الانف 7/289 وانظر الحديث رقم (206) وقد ذكر ابن حجر معتب بن قشير في الإصابة 3/443 فقال قيل إنه كان منافقا، وقيل إنه تاب، وقد ذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدرا.) . [4] قوله (أما لأقولن) قال ابن حجر: "قال ابن التين: هي بتخفيف الميم ووقع في رواية (أما) بتشديدها، وليس ببين ثم قال ابن حجر قلت: "وقع للكشميهني "أم" بغير ألف وهو يؤيد التخفيف ويوجه التشديد على أن في الكلام حذفا تقديره أما إذا قلت: ذلك لأقولن" (فتح الباري 10/512) . [5] عند مسلم "فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فساررته فغضب من ذلك غضبا شديدا واحمر وجهه حتى تمنيت أني لم أذكره له". [6] البخاري: الصحيح 4/75 كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم من الخمس الخ.
و5/131 كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، و8/22 كتاب الأدب باب الصبر على الأذى، والأدب المفرد ص 141 واللفظ له.
ومسلم: الصحيح 2/739 كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام وتصبر من قوى إيمانه.
قال ابن حجر: "وفي الحديث جواز إخبار الإمام وأهل الفضل بما يقال فيهم مما لا يليق بهم ليحذورا القائل، وفيه بيان ما يباح من الغيبة والنميمة لأن صورتها موجودة في صنيع ابن مسعود هذا، ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن قصد ابن مسعود كان نصح النبي صلى الله عليه وسلم وإعلامه بمن يطعن فيه ممن يظهر الإسلام ويبطن النفاق ليحذر منه، وهذا جائز كما يجوز التجسس على الكفار ليؤمن من كيدهم، وقد ارتكب الرجل المذكور بما قال إثما عظيما فلم يكن له حرمة.
وفيه أن أهل الفضل قد يغيظهم ما يقال فيهم مما ليس فيهم، ومع ذلك فيتلقون ذلك بالصبر والحلم كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم اقتداء بموسى - عليه السلام -.
وأشار بقوله صلى الله عليه وسلم: "قد أوذي أوذي أخي موسى بأكثر من ذلك فصبر" إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى} . قد حكي في صفة أذاهم له ثلاث قصص:
إحداها: قولهم هو آدر وذلك أن اليهود كانوا يغتسلون عراة يرى أحد بعضهم عورة بعض وكان موسى - عليه السلام - حييا لا يحب أن يرى أحد عورته فاتهموه لأنه آدر.
الثانية: إتهامهم له بقتل هارون وذلك أنه توجه معه إلى زيارة فمات هارون فدفنه موسى، فطعن فيه بعض بني إسرائيل وقالوا: أنت قتلته.
الثالثة: إتهامهم له بانه زنى بامرأة وذلك بتواطئ قارون مع بني إسرائيل، حتى يقام عليه الحد فيرجم حتى يموت فيستريحوا منه، وقد برأه الله مما قالوا فيه من زور وبهتان". (انظر فتح الباري 6/438ز448 و 8/56 و10/476و512) .