199- فقد روى البخاري من حديث هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "مر أبو بكر والعباس - رضي الله عنهما - بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ [1]، قالوا ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي[2] وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم" [3].
200- وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ملحفة متعطفا بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء[4]، حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس إن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام[5]، فمن ولي منكم أمراً يضر فيه أحداً أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم" [6]. [1] قال ابن حجر: "لم أقف على اسم الذي خاطبهم بذلك هل هو أبو بكر الصديق أو العباس بن عبد المطلب ويظهر لي أنه العباس. (فتح الباري 7/121) . [2] كرشي- الكرش بوزن الكبد، لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان والكرش أيضا الجماعة من الناس.
والعيبة: بفتح المهلمة وسكون المثناة بعدها موحدة أراد أنهم بطانته وموضع سره، والذين يعتمد عليهم في أموره أي أنتم خاصتي وموضع سري، والعرب تكني عن القلوب والصدور بالعياب، لأنها مستودع السرائر كما أن العياب مستودع الثياب (النهاية في غريب الحديث 3/327، و4/163-164، ومختار الصحاح ص: 567 وفتح الباري 7/121.
وفي القاموس المحيط 1/109 والعيبة: زنبيل من أدم وما يجعل فيه الثياب ومن الرجل موضع سره، جمعه عيب، وعيبات وعياب. [3] 5/29 كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم. [4] دسماء: أي لونها كلون الدسم وهو الدهن، وقيل المراد أنها سوداء لكن ليست خالصة السواد ويحتمل أن تكون اسودت من العرق أو من الطيب كالغالية، وقد تبين من حديث أنس أنها كانت حاشية البرد، والحاشية غالبا تكون من لون غير الأصل. (فتح الباري 7/122) . [5] قوله: "إن الناس يكثرون وتقل الأنصار"، فيه إشارة إلى دخول قبائل العرب والعجم في الإسلام وهم أضعاف أضعاف قبيلة الأنصار، فمهما فرض الأنصار من الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك، فهم أبدا بالنسبة إلى غيرهم قليل، ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم اطلع على أنهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر؛ لأن الموجودين الآن من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم بغير برهان.
وقوله: "حتى يكونوا كالملح في الطعام"، وفي لفظ "بمنزلة الملح في الطعام" أي في القلة، لأنه جعل غاية قلتهم الانتهاء إلى ذلك والملح بالنسبة إلى جملة الطعام جزء يسير منه والمراد بذلك المعتدل (فتح الباري 7/122) . [6] البخاري: الصحيح 5/29 كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم و 4/164 كتاب المناقب، باب علامات النبوة.