والمظنون بكل منهما أنه لم يقصد شيئا من ذلك، وإنما يقال هذا في وقت المخاصمة، فإنما أراد خالد بن الوليد نصرة الإسلام وأهله، وإن كان أخطأ في أمر، واعتقد أنهم ينتقصون الإسلام بقولهم "صبأنا صبأنا" ولم يفهم عنهم أنهم أسلموا، فقتل طائفة كثيرة منهم وأسر بقيتهم، وقتل أكثر الأسرى أيضا؛ ومع هذا لم يعزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل استمر به أمرا، وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك، وودى[1] ما كان جناه خطأ في دم أو مال ... ولهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك[2] ابن نويرة أيام الردة وتأول عليه ما تأول حين ضرب عنقه واصطفى امرأته أم تميم، فقال له عمر بن الخطاب: اعزله فإن في سيفه رهقا[3]، فقال الصديق: لا أغمد سيفا سله الله على المشركين4.
وقال ابن حجر: قوله: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" يعني من قتله الذين قالوا: "صبأنا" قبل أن يستفسرهم عن مرادهم بذلك القول، فإن فيه إشارة إلى تصويب فعل ابن عمر ومنم تبعه في تركهم متابعة خالد على قتل من أمرهم بقتلهم من [1] أي سلم دية القتلى، جاء ذلك عند ابن إسحاق من مرسل أبي جعفر محمد بن علي قال: ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال: يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه لا يدي لهم ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه، بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي - رضوان الله عليه - حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال، احتياطا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مما يعلم ولا تعلمون ففعل. الحديث. (انظر: سيرة ابن هشام 2/430) . [2] هو: مالك بن نويرة اليربوعي، ومحصل قصة قتله أن خالد بن الوليد سار إليه وكان بالبُطحاء، فلما وصل خالد البطحاء بث السرايا، فأسروا مالكا في جملة من أصحابه، وكانت ليلة شديدة البرد، فنادى منادي خالد: أن أدفئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد قتلهم فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة.
وقيل: إن خالدا استدعى مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال له: ألم تعلم أن الزكاة قرينة الصلاة؟ فقال مالك: إن صاحبكم - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يزعم ذلك. فقال خالد: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟. يا ضرار اضرب عنقه، فضرب ضرار عنقه، واصطفى خالد امرأته أم تميم بنت المنهال. (ابن كثير: البداية والنهاية 6/322) . [3] رهقا: بالتحريك: أي عجلة (ابن الأثير: النهاية 2/283) .
(ابن كثير: البداية والنهاية 4/314) . وفي مسند أحمد 3/475- 476 أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، خطب الناس بالجابية ووزع عليهم الأعطيات حسب سبقهم في الإسلام الحديث مطول وفيه "فقال له أبو عمرو بن حفص بن المغيرة يعاتبه في عزل خالد ابن الوليد: لقد نزعت عاملا استعمله رسول الله، وغمدت سيفا سله رسول الله، ووضعت لواء نصبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".