شؤون العالم الإسلامي ومشكلاته
رسالة مفتوحة إلى المجاهدين الأفغان
التحرير
أولاً - إن تنصروا الله ينصركم.
ثانياً - ولا تنازعوا فتفشلوا. ...
ثالثاً - قد خلت من قبلكم سنن. ...
رابعاً - الاستقلالية وحرية اتخاذ القرار. ...
خامساً - ولا تركنوا إلى الذين ظلموا. ...
سادساً - الكرامة وليس الخرافة. ...
سابعاً - الخاتمة.
أيها الأخوة الأحبة:
نحمد الله إليكم جلت قدرته الذي من علينا بنعمة الإسلام، وجعلنا كالجسد
الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، ونصلي
ونسلم على خير خلقه محد بن عبد الله.. ونحييكم بتحية الإسلام تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ونسأله تعالى أن يرزقكم النصر على عدوكم ويردكم إلى دياركم ويختم بالصالحات أعمالنا وأعمالكم، وبعد:
عن أنس - رضي الله عنه -: «أن رجلاً كان عند النبي -صلى الله عليه
وسلم- فمر رجل فقال: يا رسول الله، إني لأحبُّ هذا، فقال له النبي - صلى الله
عليه وسلم -: أأعْلَمته؟ ! قال: لا، قال: أعلمه، فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني له» [1] .
واستجابة لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نقول:
نحن المسلمين العرب نحبكم في الله:
- نحب فيكم - ومنذ القديم - الشجاعة والبطولة، وقد حدثنا التاريخ كيف
قهرتم (جنكيز خان) وما أدراك من جنكيز خان؟ ! !
جنكيز خان الذي اجتاحت العالم جيوشه، وقهر الممالك، وأذعن له الجبابرة.. لقد انتصر عليه أجدادكم جنود الإسلام الأشاوس. وأسقوه كؤوس الذل والمهانة.
وحدثنا التاريخ الحديث عن جهاد آبائكم ضد الاستعمار البريطاني الذي جثم
على أرضكم طيلة (44) عاماً واستخدم المستعمرون مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة،
وأشرس أساليب العنف والإرهاب، وظنوا أنهم باقون بقاء الدهر.. ولكن جهاد
آبائكم في سبيل الله أرغم بريطانيا - التي كانت تسمى بريطانيا العظمى - على
الخروج من بلدكم وهي تجر أذيال الهزيمة والفشل.
- ونحب فيكم الإيمان الذي لا يخبو لهيبه، والزهد الذي يتجلى بأروع معانيه.. ونذكر جيداً أن بلادكم وقفت وقفة جبارة ضد الفساد والانحلال، وكانت حصونكم
آخر الحصون التي اجتاحها أعداء الإسلام.. ورغم ذلك فلم تنقطع مقاومتكم، ولم
يستسلم أبطالكم، وبقيت آثار الغزو الاستعماري في حدود العاصمة ولا تكاد
تتجاوزها.
- ونحب فيكم الفطرة الطيبة والبساطة في كل شيء: البساطة في الملبس
والمطعم، البساطة في المسكن والمشرب.. ونحب فيكم العزائم القوية والإرادة
الصلبة.
أجل إن شدة محبتنا لكم ليست سراً من الأسرار.. وإن نسيت لا أنسى أن أحد
الباطنيين الحاقدين قَدَّم نفسه على أنه أفغاني عندما وطأت قدماه أرض العرب لأنه
كان يعرف مدى محبة العرب للأفغان، ولهذا قد استُقبِل أحسن استقبال، والتف
حوله المثقفون وطلاب العلم، وفتحت أمامه أبواب كبار المسؤولين، وما كان يشعر
طوال إقامته بأنه غريب عن وطنه وعشيرته لا بل لقد نجح في تحقيق مكاسب لم
يستطع أن يحقق شيئاً منها في بلده.. ولو علم العرب موطنه الحقيقي لما استطاع
أن يبيض ويفرخ في بلادنا [2] .
أيها الأخوة الأحبة: إن الحديث عن تاريخكم عذب جميل.. كما أن الحديث
عن جهادكم ضد الغزاة الشيوعيين أكثر عذوبة وجمالاً فجزاكم الله كل خير، وثبتنا
وإياكم على الحق وجنبكم كيد الكائدين، مؤامرات المارقين.
إن تسابقكم على الموت في سبيل الله هز المشاعر التي تبلدت، وبعث الأمل
في النفوس التي كاد يسيطر عليها اليأس.
لقد عمرتم نفوسنا فرحاً ببطولاتكم التي تحدث عنها العالم أجمع عبر وسائل
إعلامه، وملأتم قلوبنا إيماناً بوعد الله لنا بالنصر والتمكين، وذكرتمونا بجهاد
رجال خير القرون ومن نحا نحوهم وسار على نهجهم.
أيها المجاهدون الأفاضل:
انطلاقاً من حرصنا على استمرار مسيرة الجهاد، والتزاماً بقوله صلى الله
عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة
المسلمين وعامتهم» [3] .
وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه قال: «بايعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم» [4] .
ولأننا عشنا معكم منذ بداية محنتكم في آلامكم وآمالكم، ونخشى أن نسكت عن
حق نراه فتحل بنا عقوبة من الله سبحانه وتعالى.
لهذه الأسباب مجتمعة أحببنا أن نتقدم إليكم بهذه النصائح راجين أن تدرس
بعناية وروية، وسنحاول الإيجاز قدر الاستطاعة لأن أوقاتكم ثمينة، وفي الإشارة
ما يغني عن الكلم، وما كل ما يعلم يقال.
أولاً - إن تنصروا الله ينصركم:
قال سبحانه وتعالى:
[يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] [5] .
وقال جل من قائل:
[ومَا النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ] [6] .
[ومَا النَّصْرُ إلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] [7] .
فالنصر لا يتحقق بكثرة العدد، ولا بشجاعة الجند.. وإنما النصر من الله
وحده لا شريك له، ويمنُّ به على عباده المؤمنين إذا توفر في أعمالهم الشرطان
التاليان:
1 - أن تكون خالصة لوجه الله تعالى، ليس فيها رياء ولا شرك.
2 - أن يكون بما شرع الله تعالى، قال تعالى:
[فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً] [8] . ...
وعن أمير المؤمنين أبي حفص - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله
ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة
ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» [9] .
وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - قال: سئل
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل
رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» [10] .
بل وأول من تسعر بهم نار جهنم مجاهد مات في ساحة المعركة، وكان يحب
أن يذكر اسمه بعد موته مع أنه جاهد في سبيل الله.
ومن المعوقات في طريق النصر:
- أن لا يكون العمل با شرع الله وثبت بما صح من سنة المصطفى - صلى
الله عليه وسلم -.. فحذار يا أخوة من البدع والخرافة وتعظيم الرجال، والتعصب
المذهبي الذميم.
- أن لا تكون النية خالصة لوجه الله ومن ذلك:
استصغار شأن الآخرين، واتهامهم بما هم منه برآء، وحب الرئاسة والزعامة، والمبالغة فيما يذكر القائد عن عدد جنده وعدد العمليات والغنائم التي غنمها من
العدو.
ثانياً - ولا تنازعوا فتفشلوا:
هناك خلافات وصراعات بين المجاهدين الأفغان! ! هذه حقيقة لا ريب فيها،
ويعرفها أعداء الإسلام من الأمريكان، والسوفيات، وأجهزة المخابرات الغربية،
وتتحدث عنها الصحف والإذاعات شرقية كانت أو غربية.
ورغم ذلك فبعض الناس من الأفغان والعرب ينكرون أن تكون هناك خلافات
وإذا واجهتهم بالحقائق قالوا:
إن الحديث عن هذه الخلافات يترك اثاراً سلبية، ويقلل من أهمية المجاهدين
فلنتحدث عن الإيجابيات وحدها.
وبعض الناي يحاولون إيهام الآخرين بأن المجاهدين جميعاً يلتقون حول فلان
أو فلان، وهناك حفنة من المشاغبين خرجوا على الإجماع، وراحوا يصطادون في
الماء العكر، وعلى كل حال فأمر هؤلاء المشاغبين مكشوف عند الأفغان، وهم
أعداء للجهاد ودمى تحركها جهات أجنبية مشبوهة! !
وهناك أسئلة تفرض نفسها بإلحاح:
أليست هذه الردود من بعض الناس دليلاً أكيداً على وجود الخلافات؟ !
- لماذا الحرص على أن يكون الشباب الدعاة وحدهم غير عالمين بما يدور
حولهم؟ !
- وماذا لو زار هؤلاء الشباب مدينة (بيشاور) وشاهدوا بأعينهم وسمعوا
بآذانهم حقيقة هذه الخلافات؟ !
- لماذا لا نستفيد من تجارب إخواننا في بلاد أخرى، لقد كانوا يخبرون
شبابهم بأمور مغلوطة ويقولون لهم: إننا من النصر قاب قوسين أو أدنى ...
واستيقظ الشباب بعد خراب البصرة - كما يقولون - فوجدوا أنفسهم في موقف
محزن جداً وما عادوا يثقون بقيادتهم ولا بغيرها وبعضهم ارتد عن الإسلام من هول
الصدمة؟ !
وإذا كان أعداؤنا يضخمون هذه الخلافات، ويرون استحالة وحدة الصف
ورأب الصدع، ويفسرون الأمور تفسيراً ليس فيه حياد ولا موضوعية ... إذا كان
هذا حال أعدائنا فنحن نعتقد أن الأصل وحدة الصف، والاختلاف حالة شاذة،
ويجب أن لا تستمر، ونملك الجرأة التي تمكننا من مواجهة مشكلاتنا بكل صراحة
ووضوح.
ومن هذا المنطلق فإننا نذكر إخواننا المجاهدين بالحقائق التالية:
1 - لقد هب المسلمون الأفغان الذين لم تلوثهم الأفكار والمبادئ الشيوعية منذ
عام 1979م يدافعون عن دينهم وأعراضهم ضد البلاشفة الذين أهلكوا الحرث
والنسل وعاثوا في الأرض فساداً.. فكانت معركتهم:
معركة الإسلام ضد الجاهلية.
معركة الإسلام ضد الكفر.
معركة الإسلام ضد الباطل.
إنها معركة المسلمين جميعاً وليست معركة جماعة من الجماعات أو هيئة من
الهيئات.
2 - المسلمون العرب الذين يلتزمون بالإسلام سلوكاً وعقيدة وعبادة ومنهج
حياة.. هؤلاء على مختلف اتجاهاتهم وميولهم وجماعاتهم وقفوا مع المجاهدين
الأفغان في خندق واحد وحتى الدخلاء منهم جادوا بأموالهم.. ولا يجوز لجماعة من
الجماعات أو حزب من الأحزاب أن يزعموا بأنهم وحدهم الذين أيدوا المجاهدين
الأفغان أو أن المجاهدين جميعاً من المنتمين إليهم.
لا يجوز استغلال المساعدات التي تقدم للمجاهدين من أجل المتاجرة بشعارات
حزبية، كما أنه لا يجوز نقل صراعات هذه الجماعات إلى مخيمات الأفغان البائسة، وإقامة أحلاف ومحاور مع جماعات هناك.. وعلينا جميعاً أن نسعى لإصلاح ذات
البيت ورأب الصدع.
يستحيل اجتماع كلمة المجاهدين على حزب من الأحزاب أو جماعة من
الجماعات، وقد بذلوا محاولات من هذا القبيل ففشلوا لكنهم يؤكدون بأنهم يسيرون
على ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه الصحابة -
رضوان الله عليهم - ومن تبعهم من رجال خير القرون - أي منهج أهل السنة
والجماعة -.. وقد التقينا بمعظم قادة المجاهدين فقالوا لنا: إنهم يلتزمون منهج
أهل السنة والجماعة، ولا يؤمنون بالبدع والخرافات.. فلماذا لا تترجم هذه
القناعات إلى واقع عملي، ولماذا نتجاهل الأصول ونحاول عبثاً جمع الناس وتوحيد
كلمتهم على الفروع؟ !
4 - نذكر أنفسنا وإخواننا المجاهدين بوجوب الصدق في القول والعمل إذا
كان لا بد من اختلاف وجهات النظر، وعلينا أن نحذف من ألفاظنا: هذا عميل،
وذاك يتاجر بالجهاد.. لا سيما إذا كانت هذه الاتهامات توجه لأبرز قادة المجاهدين
الذين لا يكفرون أحداً من المسلمين ونعرف بأنهم ليسوا عملاء! ! .
5 - كان لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - موقف رائع في حرب التتار، فعندما طلب قائد التتار (قازان) وفداً من كبار علماء المسلمين، ذهب شيخ الإسلام
مع خصومه من المبتدعين الذين ذاق منهم الويلات وكذلك كان موقفه في معركة
(شقحب) ، أما الباطنيون فكان له معهم موقف آخر، لقد حاربهم بعد انتصاره على
التتار.
هذا - يا أيها الإخوة - وقت استنفار جميع الطاقات الإسلامية، وليس وقت
تفجير الخلافات وإثارة النعرات.
أيها الأخوة المجاهدون:
اعلموا أن إثارة الفرقة بين الدعاة إلى الله جلَّ وعلا أشد سلاح يستخدمه
أعداء الإسلام خطراً، وأشد الضربات التي يسددها العدو تلك الضربات الداخلية
التي تجعل الصف الواحد عدة صفوف متخاصمة متحاربة.
قال تعالى:
[إنَّ الَذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ] [11] .
وقال جلَّ من قائل:
[يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا واذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *
وأَطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّابِرِينَ] [12] .
إن عدونا يرقص طرباً ويتيه غروراً بسبب هذه الخلافات، ويحاول بذل كافة
طاقاته من أجل ديمومتها واستمرارها.
انزعوا من عقولكم - يا إخوة الإسلام - الأفكار الشاذة التي يزعم دعاتها بأنه
لا بد من القضاء على الجماعات كلها لأنها منحرفة وتوحيد الناس من خلال
جماعتهم التي يظنون أنها جماعة المسلمين.
حذار يا إخوة من الغرور، وتقديس الذات، وإعجاب كل ذي رأي برأيه،
واعلموا بأنكم لن تنتصروا بتصفيق المصفقين، وقوة إعلام المتحالفين من غير
الأفغان، فهذه التحالفات ليست ثابتة لأنها لا تقوم على أساس متين، وقد تبدلت
مرات ومرات في السنوات الماضية.
التزموا منهج أهل السنة والجماعة وأخلصوا النية لله وحده، ووحدوا صفوفكم
بنصركم الله على عدوكم:
[إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] .
ثالثاً - قد خلت من قبلكم سنن:
قال تعالى:
[قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
المُكَذِّبِينَ] [13] .
وقال سيد قطب - رحمه الله - في تفسير هذه الآية:
(والقرآن الكريم يرد المسلمين هنا إلى سنن الله في الأرض، يردهم إلى
الأصول التي تجري وفقها الأمور فهم ليسوا بدعاً في الحياة، فالنواميس التي تحكم
الحياة جارية لا تتخلف والأمور لا تمضي جزافاً، إنما هي تتبع هذه النواميس،
فإذا هم درسوها وأدركوا مغازيها، تكشفت لهم الحكمة من وراء الأحداث، وتبينت
لهم الأهداف من وراء الوقائع واطمأنوا إلى ثبات النظام الذي تتبعه الأحداث، وإلى
وجود الحكمة الكامنة وراء هذا النظام، واستشرفوا خط السير على ضوء ما كان
في ماضي الطريق، ولم يعتمدوا على مجرد كونهم مسلمين، لينالوا النصر
والتمكين، بدون الأخذ بأسباب النصر وفي أولها طاعة الله وطاعة
الرسول) . اهـ[14] .
لستم - يا إخوة الإسلام - بدعاً في هذه الحياة، وتاريخ أنبياء اله ومن سار
على نهجهم من الدعاة والمصلحين على مختلف الأجيال والأزمان ملك لنا جميعاً
ومن أوجب الواجبات علينا دراسة هذا التاريخ لنتعلم منه كيف نربط الحاضر
بالماضي، وكيف نضع الحلول الناجعة للمشكلات التي تواجهنا، والذين لا يدرسون
هذا التاريخ من المغفلين والسطحيين والمتسرعين ليسوا أهلاً لقيادة العمل الإسلامي.
ومن هؤلاء المكذبين الذين نحذر إخواننا المجاهدين من شرورهم ومكائدهم:
1 - المنافقون:
وهل بين المجاهدين منافقون؟ !
وجوابنا على ذلك: نعم، بين المجاهدين الأفغان منافقون.. وأمثال هؤلاء
المنافقين كانوا يخرجون في جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما حدث في
أحد وتبوك.
س: ولكن نخشى أن يكون هذا القول اتهام من طرف ضد طرف آخر؟ !
ج: قلنا فيما مضى: لسنا مع طرف أو جماعة من جماعات المجاهدين وإنما
نحن مع المجاهدين جميعاً، ونكره ونحذر من الخوض في خلافاتهم إلا لمن أراد
الإصلاح.. ومع ذلك فالمجاهدون وأصدقائهم يعرفون أن هناك منافقين بين الأفغان، وقد باتوا يشكلون خطراً على مسيرة الجهاد.
س: هل نفاقهم اعتقادي أم عملي؟!
ج: هؤلاء مسلمون يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم، وأكثر من
ذلك فهم يشاركون في الجهاد، ومع ذلك فقادتهم يوالون أعداء الله من الأمريكان
وغيرهم، ويناصبون الدعاة الصادقين العداء، ويقولون ما لا يفعلون ويحسبون كل
صيحة عليهم، ويعشقون البدع والخرافة.. هذه هي أحوالهم ولا نستطيع تعميم حكم
عليهم، لأن مشكلتهم تختلف من فرد لآخر.
أيها الأخوة المجاهدون:
لقد كثر الكلام عن هؤلاء المنافقين، ونسمع أن أعداء الله من الأمريكان ومن
نحا نحوهم يعلقون عليهم آمالاً عريضة، ويغدقون عليهم الأموال والهبات، ونسمع
أن خطرهم يزداد، وإذا ما اتفق الأمريكان والسوفيات على حل فسوف يستعينون
بهؤلاء العملاء.. فماذا أعددتم لهذا اليوم العصيب؟ !
تعلموا يا أخوة هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع المنافقين ومن ذلك
أنه -صلى الله عليه وسلم- ما كان يختار منهم قادة لسراياه، ولا كان يبوح لهم بسر
من أسراره، وفوق هذا وذاك كان يعرفهم ويعرف مكائدهم.
ولا نظن أن أوضاعكم كذلك.. فتداركوا أمركم قبل فوات الأوان واعلموا أن
أشد المؤامرات التي ابتلينا بها مؤامرات المنافقين لأنها تفتت الصف الواحد،
وتبعثر الطاقات واقرأوا في كتاب الله سبحانه وتعالى، وفي سنة المصطفى -صلى
الله عليه وسلم- صفات المنافقين وأساليبهم في مواجهة الدعاة إلى الله.
2 - الباطنيون:
لا تنتظروا خيراً أو تعلقوا آمالاً على جند عبد الله بن سبأ اليهودي، إنهم
عون للطغاة المتجبرين، وعيون للغزاة المستعمرين.
قلبوا صفحات من تاريخهم الأسود ترون فيه العجب العجاب من موالاة أعداء
الله من التتار واليهود والصليبيين وعداوتهم لأولياء الله بدءاً بأم المؤمنين عائشة -
رضي الله عنها -، ومروراً بالشيخين - أبي بكر وعمر - وانتهاءً بسائر الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين -.
اسألوا إخوانكم الذين اكتووا بنيرانهم وشرورهم في بعض بلدان العالم
الإسلامي، ولا تصدقوا أقوالهم ووعودهم فمن صفاتهم الغدر والكذب ولن يتورع
هؤلاء الباطنيون عن التعاون مع الشيوعيين، كما أنهم لن يقصروا في استغلال
ظروف إخوانكم وبذل المحاولات من أجل زعزعة إيمانهم تشكيكهم بأصول دينهم.
رابعاً - الاستقلالية وحرية اتخاذ القرار:
- نحن نفهم جيداً الأسباب التي دعت المجاهدين خاصة، والأفغان عامة إلى
الالتجاء إلى بلد مجاور لبلدهم.
- ونفهم جيداً الأسباب التي دعت إلى وجود مخيمات للذين فروا بدينهم من
الفقراء والمعدمين، ومستشفيات ومستوصفات للجرحى والمشوهين من ضحايا
قصف البلاشفة الشيوعيين.
- ونفهم كذلك أن يقول قادة المجاهدين: ولماذا لا نستفيد من هذا الواقع الذي
فرض نفسه محلياً وعالمياً؟ ! ! .
نعم، نحن نفهم كل ما سبق ذكره، لكننا لم نستطع أن نفهم - ومن بداية
الجهاد -:
لماذا اتخذ المجاهدون الذين نثق بهم من هذا البلد أو ذاك مركزاً لانطلاقتهم،
وكنا نستغرب منهم هذا الموقف لأسباب كثيرة من أشهرها ما يلي:
1 - أنشأوا مراكز قياداتهم وسائر مؤسساتهم على أرض لا يملكونها وإنما
يملكها نظام يرى خلاف ما يرون.
وعندما يبرم الإرهابي المجرم (رونالد ريغان) الصفقة مع السوفيات سوف
يجد المجاهدون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر: الاستسلام الذي يسمونه: السلام،
ولن يكون فيه خير للإسلام والمسلمين، أو الخروج من الأرض التي أقاموا فيها
دولة ظل لهم سيكون إخراجهم أو إخراج المتطرفين [15] فيهم خلال أيام وسوف
يجد المجاهدون أنفسهم محاطين بجيش لا قبل لهم به، وسوف تتغير الوجوه،
وتتبدل المواقف، وتغلق الأبواب التي كانت تفتح على مصاريعها عند قدوم زيد
وعمرو من قادة المجاهدين.
2 - بدأوا أنشطتهم بأموال كانوا يتلقونها من المحسنين المسلمين وغيرهم، ثم
راحوا يطورون مؤسساتهم ومكاتبهم بشكل يتناسب مع وفرة هذه الأموال، وأصبحنا
نسمع أن هذه الجماعة تملك جيشاً يربو عدد جنوده على مائة ألف، والثانية أكثر
عدداً والثالثة أقل قليلاً لكنها تملك مؤسسات توحي لمن يسمع أسماءها وكأن
المجاهدين لن يغادروا المنطقة التي التجأوا إليها.
ترى هل يفكر إخواننا المجاهدون بأن هذه الموال سوف تحجب عنهم؟ !
هل فكروا - غفر الله لهم - بمرتبات هذه الجيوش الجرارة، وهذه المؤسسات
التي لا يحصى عددها؟ ! .
وحتى الأموال التي يدفعها المحسنون سوف تتضاءل كثيراً، ويقل نفعها
بسبب تعدد الجماعات، لا سيما ونحن نرى أن كل جماعة تحالفت مع جماعة أخرى
في البلاد العربية وغيرها، وفوق هذا وذاك فهناك محسنون يكثرون في ظروف
معينة، ويفتقدون عندما تتغير هذه الظروف! !
3 - إذا كانت الأرقام التي تذكرونها عن عدد قواتكم دقيقة فهي تزيد على
نصف مليون مجاهد، ومثل هذا الرقم تعجز عن تمويله دولة كبرى، فكيف بمن لا
يملكون دولة ولا موارد اقتصادية ذاتية يعتمدون عليها.
ومن جهة أخرى فحربكم مع القوات الشيوعية حرب عصابات، ومن بدهيات
هذه الحرب:
الحذر الشديد من العملاء داخل الصف، والسرية في التحرك، والدقة في
مباغتة العدو، والاستقلالية التامة في اتخاذ القرار.
ولا تحتاج حرب العصابات إلى نصف مليون جندي، ولا إلى نصف هذا
العدد أو ربعه، ورنما يكفي في بلد كأفغانستان عشرون ألف مجاهد وكحد أعلى
ضعف هذا العدد.
ولن يعجز المحسنون المخلصون في العالم الإسلامي عن تمويل مثل هذا العدد.
ولن يستطيع أعداء الله الحيلولة بينكم وبين إخوانكم في جميع بلدان العالمي
الإسلامي، ومن ذا الذي يستطيع قهركم في جبالكم ووديانكم التي سوف تتحول بإذن
الله إلى نيران متأججة يحترق في لهيبها الشيوعيون وغيرهم من أعداء الله.
هؤلاء المقاتلون (إذا كان تدريبهم جيداً، وكانوا يتبعون قيادة واحدة) سوف
تتحدث عنهم أسلحتهم وعملياتهم الناجحة، ولا يحتاجون إلى تأييد الأمم المتحدة، أو
إلى فتح مكاتب في عواصم بلدان العالم.. وها هي الأمم المتحدة تتخذ القرار تلو
القرار ضد الاعتداءات الإسرائيلية فهل تراجع نظام العدو الصهيوني عن اعتداءاته؟
وسوف يفجر هؤلاء المجاهدون ببطولاتهم ثورة إسلامية في تركستان والقوقاز
وبخارى وسمرقند وأول الغيث قطرة، ولا يزال الخير في أمة محمد -صلى الله
عليه وسلم- حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
4 - اعتبروا - يا إخوة الإسلام - بأخطاء غيركم - والعاقل من اتعظ بغيره وآخر هذه الدروس ما حدث لمنظمة التحرير الفلسطينية - لقد بدأت منظمة
فتح عملياتها داخل الأرض المحتلة في أواسط الستينيات، وكانت إمكاناتها
متواضعة، ومع ذلك كانت عملياتها ناجحة.. ثم قامت منظمة التحرير الفلسطينية،
وبعد هزيمة حزيران 1967 تعددت المنظمات التي كانت فلسطينية في ظاهرها
حزبية في حقيقتها، وأُغدقت الأموال على منظمة التحرير الفلسطينية، وأصبحت
ميزانيتها أقوى من ميزانية حكومة من الحكومات وصار للمنظمة مكاتب في معظم
العواصم العالمية بعد أن اعترفت بها معظم بلدان العالم، أما زعيم المنظمة فأصبح
بمثابة رئيس دولة، وصار له سفراء ومساعدون ومستشارون.. وبعد حين من
الزمن التفت قادة المنظمة فوجدوا أنفسهم يقفون على أرض لا يملكونها، وقد
أخرجوا منها غير مرة كما أنهم وجدوا أنفسهم يتحركون بأموال تأتيهم من هنا وهناك، وقد تمنع عنهم في أي وقت منا لأوقات، وقد بدأ هذا المنع فعلاً.
وأخيراً جاءت الضربة القاتلة، ولم تكن هذه المرة من إسرائيل أو من
الولايات المتحدة الأمريكية، أو من الرجعية، ولكنها جاءت من رفاق السلاح الذي
حركتهم جهات رسمية تقدمية اشتراكية بمباركة السوفيات.
وأخيراً ارتفعت أصوات معظم قادة المنظمة يطالبون منظمتهم العودة إلى
مرحلة البداية، والتحرر من دبلوماسية المكاتب والحلول السياسية، ولكن هذه
الأصوات جاءت بعد فوات الأوان فأصبحت كصيحة في واد أو كنفخة في رماد،
وأصحاب هذه الأصوات لم يعودوا يصلحون لمرحلة البداية بعد أن سلطت عليهم
الأضواء.
خامساً - ولا تركنوا إلى الذين ظلموا:
يتباكى إعلام الدول الغربية، والولايات المتحدة الأميركية على الأفغان،
ويطالب قادة هذه الدول بوجوب خروج القوات السوفياتية من أفغانستان وضرورة
عودة اللاجئين إلى ديارهم.
أما السوفيات فيزعمون أن هناك مؤامرة، وأنهم كانوا مضطرين لاتخاذ هذا
الموقف العسكري، وهم حريصون على الوصول إلى حل للمشكلة الأفغانية؟ ! ،
فما مدى هذه الدعاءات من الصحة، ولماذا يجعجع الأمريكان وينادون بتحرير
أفغانستان؟ !
لنعلم حقيقة الدور الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان،
يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الثوابت التالية في السياسة الأميركية:
1 - ورثت الولايات المتحدة عن بريطانيا وفرنسا سياسة تفتيت العالم
الإسلامي إلى دويلات عرقية وطائفية صغيرة ومتناحرة.. وأقرب مثال على ذلك
اليمن الجنوبي في أواخر الستينات فعندما لم تجد فيه بريطانيا طوائف ولا قوميات
سلمته لحفنة متواطئة من الشيوعيين.
2 - لليهود دور مهم في صنع القرار الصادر عن الإدارة الأميركية سواء كان
هذا القرار صادراً عن إدارة البيت الأبيض أو وكالة المخابرات الأميركية أو
(الكونغرس) ، بل وما من رئيس من رؤساء الولايات المتحدة إلا ولليهود فضل
عليه.. وماذا ينتظر المسلمون من دولة يوجهها اليهود أعداء الله وأعداء أنبيائه؟ !
3 - يؤكد القادة الأمريكان بأنهم ضد التطرف الديني، ويعقدون المؤتمرات
ويحيكون المؤامرات من أجل مكافحة التطرف الديني ويصرحون بأنهم لن يمكنوا
هؤلاء المتطرفين من السيطرة على مقاليد الحكم في أي بلد من البلاد.
ومما لا شك فيه أن الأمريكان لا يحاربون المتدينين اليهود أو النصارى بل
على العكس من ذلك يستفيدون منهم في مقاومة التغلغل الشيوعي.. وكل الذي
يقصدونه بقولهم: (التطرف الديني) هو الدعاة المسلمون الذين يجاهدون من أجل أن
يكون الدين كله لله.. وإذن فالأمريكان ضد جهادكم.
4 - ليس في قاموس السياسة الأميركية شيء اسمه إنسانية، أو شفقة، أو
رحمة، أو خدمات بالمجان.
فعندما يقدمون المساعدات لجهة من الجهات فهذا يعني أن مصالحهم فرضت
عليهم اتخاذ مثل هذا الموقف.. ومصالحهم هنا تقتضي أن تكون أفغانستان مستعمرة
أميركية..
وبعد أن ينسحب الشيوعيون منها ويكون لهم الأمر فيها، سوف يستردون من
مواردها الاقتصادية أضعاف ما قدموه من مساعدات أو يبرمون صفقة مع الاتحاد
السوفياتي وفق سياسة الاتفاق على اقتسام مناطق النفوذ في العالم.
وعلى أي حال فالولايات المتحدة الأميركية ليست مستعدة للدخول في حرب
نووية مع الاتحاد السوفياتي من أجل أفغانستان.
أيها الأخوة المجاهدون: احذروا أشد الحذر من كيد الأمريكان ومكرهم،
واذكروا جرائمهم في فلسطين ولبنان ومصر وباكستان وغيرها وغيرها من بلدان
العالم الإسلامي.
إنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ولا تعرف الرحمة ولا النخوة والمروءة
سبيلاً إلى قلوبهم.
ومن أهم مخططات الأمريكان تفريغ الحركات الجهادية الإسلامية من
مضمونها الجاد، ولهم تجارب كثيرة ليس هذا موضع الحديث عنها.
إننا نعلم أن بعض قادتكم على علم بمخططات الأمريكان وأهدافهم، ويتابع
هؤلاء القادة بقلق المفاوضات التي تجري بين الأمريكان والسوفيات بشأن أفغانستان، ولكن المشكلة الأكثر خطورة تتجلى في دور المنافقين - أو إن شئتم فقولوا
(الطابور الخامس) في صفوفكم - وهؤلاء الذين يعتمد عليهم الأمريكان كما
يعتمدون على غيرهم ممن قبلتم - غفر الله لنا ولكم - أن يكون لهم دور وأثر فعال
على مسيرتكم.
لقد بدأت الهمسات تتحول إلى صيحات تنذر بالخطر، وبدأ المنافقون يمهدون
لدورهم المرتقب بقولهم:
من الخير لنا أن نعود إلى ديارنا وأرضنا، ومن هناك سوف نستأنف الجهاد
ضد الغزاة الشيوعيين.. ولو أرادوا الجهاد لأعدوا له عدته، ولكنهم أصحاب أهواء
ومصالح، بينهم من يعرف الحكم فيمن يوالون أعداء الله من الأمريكان والأفغان
وغيرهم.
أيها الإخوة المجاهدون: إنكم تعيشون ظروفاً عصيبة، فلا ينفعكم الصمت في
هذه المرحلة الحرجة ولا تفوتنكم فرصة جمع صفوف المخلصين الذين يرفضون
الاستسلام والهوان.
وإذا كانت هذه هي أحوال الأمريكان ومواقفهم في القديم والحديث فالبلاشفة
أكثر منهم إجراماً، وأشد كيداً وأطول باعاً.. سلوا إخوانكم في تركستان، وألبانيا،
ويوغسلافيا، وبلغاريا، واليمن الجنوبي، والعراق عام 1959م ماذا فعلوا بهم؟ !
لقد قتلوا الدعاة العلماء شر قتلة، وحولوا المساجد والمدارس الإسلامية إلى
مسارح واصطبلات ودور للسينما، وجمعوا نسخ القرآن وكتب الحديث، وأمهات
كتب التاريخ والفقه والتفسير وأضرموا فيها النيران، وهتكوا أعراض المسلمين،
واستخدموا أبشع أنواع التعذيب.. كانوا يدقون مسامير طويلة في الرأس حتى تصل
إلى المخ، كما كانوا يمشطون جسم المسجون بأمشاط حديدية حادة، ويصبون
البترول على الأحياء يم يشعلون فيهم النيران [16] .
ولم يدخل السوفيات أفغانستان ليخرجوا منها، ولذلك أسباب من أهمها: سعي
الشيوعيين الحثيث من أجل السيطرة على جميع بلدان العالم وتحقيق أحلام كارل
ماركس، وستالين، ولينين، ومن جهة أخرى فأفغانستان مجاورة ويخشون من قيام
نظام إسلامي فيها، وآثار هذا النظام سوف تنعكس على أحوال المسلمين
المضطهدين في الاتحاد السوفياتي، وسوف يكون هذا الحدث بمثابة إعصار يعصف
بالشيوعية والشيوعيين.. وقد بدأت أجهزة الإعلام العالمية منذ فترة تتحدث عن
تحرك المسلمين في تركستان حيث عجز أعداء الله خلال بضعة عقود عن اجتثاث
جذور الإيمان من قلوب المسلمين في هذا البلد الطيب المعطاء.
إن السيطرة على أفغانستان قضية حياة أو موت عند البلاشفة، وسوف
يستخدمون كافة الأسلحة التي يملكونها من أجل أن لا يسيطر المجاهدون على كابل
ويسقطون النظام الشيوعي الدخيل.. أما مفاوضات (جنيف) فليست أكثر من ذر
للرماد في العيون، بل وليس هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها شيوعيو الكرملين
إلى مثل هذه الوسائل.
لقد وافقوا على إقامة دولة للمسلمين في تركستان ثم نقضوا هذا الاتفاق عندما
قويت شوكتهم، وأرسل زعيمهم (لينين) رسالة مفتوحة إلى المسلمين في بخارى
وسمرقند يعدهم فيها بالاستقلال، ومنحهم حرية العبادة وعندما نجحت ثورته قلب
لهم ظهر المجن، وتنكر لوعوده ومواثيقه، وكذلك فعل (ستالين) عندما أعلن
النازيون الحرب على السوفيات وشعر أنه بحاجة إلى مساعدة المسلمين والنصارى
أو تحييدهم.
وهذه هي أخلاق الشيوعيين مع الناس جميعاً، وحتى مع رفاقهم، ويكفينا
مثالاً على ذلك ما فعلوه مع رفاقهم الأفغان في كابل:
في عام 1979م قاد السوفيات انقلاباً عسكرياً ضد نائب رئيس الجمهورية
حفيظ الله أمين، لكن أمين أحبط الانقلاب وأعدم رئيس الجمهورية نور محمد تراقي.. وفي العام نفسه حاصر السوفيات قصر الرئاسة في كابل ودارت معركة بينهم
وبين الحرس الجمهوري انتهت بمقتل رفيقهم حفيظ الله أمين، ونصبوا (بابراك
كارمل) بدلاً عنه، وهاهم اليوم أطاحوا بكارمل ونصبوا رئيس المخابرات الجنرال
محمد نجيب أميناً عاماً لحزب الشعب الديمقراطي، وإن كانوا لم يقتلوا حتى الآن
كارمل.
وجاء اختيارهم لرئيس المخابرات محمد نجيب الله متزامناً مع حديثهم عن
الانسحاب من أفغانستان، فلماذا هذا الرجل بالذات.
يعلم المجاهدون أنه ليس بين الشيوعيين الأفغان من هو أشد بطشاً وأحط
أخلاقاً من نجيب الله هذا.. لقد كان يدفن الأحياء، ويمزق المصاحف أمام المعتقلين، ويمارس عملية القتل الجماعي، ويعيد للأذهان الأساليب الوحشية التي مارسها
البلاشفة ضد المسلمين في تركستان.
وفي رسالة بعثها نجيب الله إلى الزعيم السوفياتي غورباتشيف رداً على برقية
تهنئة بعثها له بمناسبة تقلده منصبه الجديد، قال نجيب الله أنه سيعمل بكل ما لديه
من قوة وسيوفر كافة الإمكانات من أجل القضاء على (عصابات [17] اللصوص)
أي على المجاهدين. وإذن فأهداف السوفيات من مفاوضات جنيف واضحة وضوح
الشمس في رابعة النهار والمعلومات التي وصلتنا عن طريق المجاهدين وغيرهم
تؤكد بأن الأمريكان متفقون مع السوفيات على طبيعة المرحلة القادمة، وبعض هذه
المعلومات تقول: لقد كان الأمريكان على علم مسبق بالتغيير الذي حصل في كابول.
وقصارى القول فإن مهمة نجيب الله تتلخص فيما يلي:
1 - الضرب بيد من حديد وإعادة ترتيب أجهزة السلطة لتكون في مستوي
الأحداث القادمة.
2 - شراء ذمم زعماء القبائل داخل أفغانستان وعلى الحدود الأفغانية
الباكستانية، وبعض الإخوة يرون أن زعماء القبائل لن يستجيبوا لمثل هذه الأساليب، ونحن نخالفهم ونرى أن معظم زعماء الأعراب والقبائل كانوا نقطة ضعف في
تاريخنا الإسلامي.
3 - التسلل إلى صفوف المجاهدين عن طريق رجال المخابرات الذي
يلتحقون بصفوف المجاهدين ويزعمون أنهم فروا من الجيش الأفغاني الشيوعي،
ومهمة رجال المخابرات هؤلاء إثارة حوادث الشغب والاعتداء على المرافق العامة
في باكستان وتفجير الخلافات بين جماعات المجاهدين، ونقل كل ما يحصلون عليه
من معلومات إلى قيادة المخابرات في كابول.
وممن المؤسف أن للزعيم الشيوعي الجديد (نجيب الله) تجارب واسعة في هذا
المضمار، وقد حققت محاولاته السابقة بعض النجاح.
سادساً - الكرامة وليس الخرافة:
يتحدث معظم المجاهدين عن كرامات أجراها الله على أيديهم، وقد كثر
الحديث حول هذه المسألة، ولو جمعنا أهم هذه الكرامات لما اتسعت لها عشرات
المجلدات، ولو اعترض معترض على ما يذكرون لقالوا له:
أوتنكر الكرامات وأخبارها ثابتة بأدلة لا يرقى إليها شك؟ ! .
ونحب في البداية أن يطمئن إخواننا المجاهدون بأننا نؤمن بالكرامات التي
يجريها سبحانه وتعالى على أيدي أوليائه المتقين، ونحذر من أهل الاعتزال ومن
نحا نحوهم من أصحاب المدرسة العقلية الذين ينكرون الكرامات ويؤولون
المعجزات أو ينكرونها.. ولكن المشكلة عندنا تتعلق بالذين يخبرون عن هذه
الكرامات هل هم صادقون؟ !
والذي نراه أن بين المجاهدين كثيراً من الخرافيين وهؤلاء لا نثق بهم ولا
برواياتهم، نعلم أنه يختلقون مثل هذه القصص وينسبونها لأنفسهم أو لشيوخهم،
ومن جهة أخرى فليس كل من تجاوز حدود أفغانستان مع باكستان أصبح مجاهداً،
ومن جهة ثالثة فأولياء الله لا يتفاخرون في الحديث عن هذه الكرامات بل يخجلون
إذا تناقل الناس أخبارهم الطيبة ويخشون من الفتنة، ومن جهة رابعة كيف تكون
كرامات الأفغان مئات أضعاف معجزات الأنبياء عليهم السلام، وكرامات الصحابة- رضوان الله عليهم -.
مرة أخرى نقول: بين المجاهدين الأفغان كثير من الصالحين قد يجري الله
سبحانه وتعالى على أيديهم بعض الكرامات.
سابعاً - الخاتمة:
أيها الإخوة الأحبة: إن ما نشعر به من قلق على مستقبل مسيرتكم في ميدان
الجهاد وما نكنه لكم من حب عميق أوجب علينا أن نتقدم إليكم بهذه النصائح
والخواطر، فإن أصبنا فبفضل الله ومنته، وإن أخطأنا فمن أنفسنا.
واعذرونا إن كنا قد أخطأنا في التعبير، أو تجاوزنا الحدود، فما أردنا إلا
الخير، ولا يجوز لأحد أن ينصب نفسه أستاذاً عليكم أو وصياً على شؤونكم..
فأنتم المجاهدون الذين تبذلون أرواحكم رخيصة في سبيل الله، وتصبرون على
شظف العيش، ونعلم أن بعضكم يقتات أوراق الأشجار من شدة الجوع، ويحق لكم
إن شاء الله تقولوا للأتقياء:
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب
يا أخوتنا الأحبة: لا تخشوا كيد الأمريكان والسوفيات، فإنهم لن يصنعوا
شيئاً إذا أراد الله لكم النصر والتمكين، قال تعالى: [إن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ
لَكُمْ وإن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ] [18]
فتوكلوا على الله وحده لا شريك له ورصوا صفوفكم، وكونوا من الذين
وصفهم الله سبحانه وتعالى في قوله:
[الَذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَاناً وقَالُوا
حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ] [19] .
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، اهزم أعداءك الشيوعيين في
أفغانستان، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، وانصر اللهم
عبادك المجاهدين في سبيلك.. اللهم انصرهم ووحد صفهم ولا تجعل بأسهم بينهم
إنك سميع الدعاء. [1] رواه أبو داود بإسناد صحيح. [2] رغم ذلك كله فلقد كان صاحب مواهب، وكان ناجحاً في تأدية الدور الذي تم اختياره من أجله. [3] رواه مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه -. [4] متفق عليه. [5] سورة محمد، الآية: 7. [6] - سورة آل عمران، الآية: 126. [7] سورة الأنفال، الآية: 10. [8] سورة الكهف، الآية: 110. [9] متفق عليه. [10] متفق عليه. [11] سورة الأنعام، الآية: 159. [12] سورة الأنفال، الآية: 45، 46. [13] سورة آل عمران، الآية: 137 والآية وردت في صدر الحديث عن نتائج غزوة أحد. [14] في ظلال القرآن، المجلد الأول / 456، دار الشروق، تفسير الآية 138 من سورة آل عمران. [15] الدعاة الذين يرفضون الانقياد لغير الله سبحانه وتعالى وقد اعتادت الدوائر الاستعمارية إطلاق هذه التسمية على كل جماعة متميزة مستقلة. [16] من شاء مزيداً من التفاصيل فليراجع كتاب (المسلمون وراء الستار الحديدي) لمؤلفه عيسى يوسف ألب تكين. [17] عن صحيفة (دير شبيغل) الألمانية تاريخ 12/5/1986.
(18) سورة آل عمران، الآية: 160. [19] سورة آل عمران، الآية: 173.