responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أبجد العلوم نویسنده : صديق حسن خان    جلد : 1  صفحه : 147
ثم انتقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام
ولم يبق اليوم في المشرق ولا في المغرب بل ولا في الجهات الأربع وما بها من المدن والأمصار والقرى من العلم إلا اسمه ومن الدين إلا رسمه وأباد الزمان أهله كأن لم يغنوا بالأمس فقد ذهب العلم برمته وجاء الجهل بأسره وكان أمر الله قدرا مقدورا.

مطلب: في أن اللغة ملكة صناعية 1
اعلم: أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ هي ملكات في اللسان للعبارة عن المعاني وجودتها وقصورها بحسب تمام الملكة أو نقصانها وليس ذلك بالنظر إلى المفردات وإنما هو بالنظر إلى التراكيب فإذا حصلت الملكة التامة في تركيب الألفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصودة ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال بلغ المتكلم حينئذ الغاية من إفادة مقصوده للسامع وهذا هو معنى: البلاغة والملكات لا تحصل إلا بتكرار الأفعال لأن الفعل يقع أولا وتعود منه للذات صفة ثم تتكرر فتكون حالا ومعنى الحال: أنها صفة غير راسخة ثم يزيد التكرار فتكون ملكة أي: صفة راسخة.
فالمتكلم من العرب - حين كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم - يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطباتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها فيلقنها أولا ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك ثم لا يزال سماعهم لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة ويكون كأحدهم.
هكذا تصيرت الألسن واللغات من جيل إلى جيل وتعلمها العجم والأطفال وهذا هو معنى ما تقوله العامة: من أن اللغة للعرب بالطبع أي: بالملكة الأولى التي أخذت عنهم ولم يأخذوها عن غيرهم ثم إنه فسدت هذه الملكة لمضر بمخالطتهم الأعاجم وسبب فسادها: أن الناشئ من الجيل صار يسمع في العبارة عن المقاصد كيفيات أخرى غير الكيفيات التي كانت للعرب فيعبر بها عن مقصوده لكثرة المخالطين للعرب من غيرهم ويسمع كيفيات العرب أيضا فاختلط عليه الأمر وأخذ من هذه وهذه فاستحدث ملكة وكانت ناقصة عن الأولى وهذا معنى فساد اللسان العربي.
ولهذا كانت لغة قريش أفصح اللغات العربية وأصرحها لبعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم ثم من اكتنفهم من ثقيف وهذيل وخزاعة وبني كنانة وغطفان وبني أسد وبني تميم وأما من بعد عنهم من: ربيعة ولخم وجذام وغسان وإياد وقضاعة وعرب اليمن المجاورين لأمم الفرس والروم والحبشة فلم تكن لغتهم تامة الملكة بمخالطة الأعاجم وعلى نسبة بعدهم من قريش كان الاحتجاج بلغاتهم في الصحة والفساد عند أهل الصناعة العربية والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق[2].

1 الفصل في مقدمة ابن خلدون ص1388-1390.
[2] آخر كلام ابن خلدون.
نام کتاب : أبجد العلوم نویسنده : صديق حسن خان    جلد : 1  صفحه : 147
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست