نام کتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي نویسنده : محمود سالم محمد جلد : 1 صفحه : 412
بيت الشعر، فيصف ما حل بعائلات المشركين عن طريق ما يحل ببيت الشعر عند تقطيعه وإظهار تفاعيله، وعند ما تلحقه العلل العروضية، مستعينا على ذلك بمصطلحات العروض التي تظل معرفتها حكرا على طائفة من الناس، وبذلك يحرم البوصيري وغيره من الشعراء كثيرا من الناس من فهم صورهم وإدراكها وتخيّلها، لأنها قيدت بعلم من العلوم لا يعرفه جميع الناس.
حتى إذا وصل البوصيري إلى البيت الأخير من هذه القطعة، الذي يصف فيه المسلمين، عاد إلى التشبيه العادي والمقابلة، فالمسلمون في المساجد أتقياء ورعون لطفاء، لينو الجانب، مثل الملائكة التي تتصف بالشفافية والروحانية، ولكنهم في ساحة المعركة يتحولون إلى أسود تفتك بأعدائها، وللسامع أن يتخيل هذه الصورة التي تنقسم إلى مشهدين، مشهد يصف المسلمين في سلمهم، ومشهد يصفهم في حربهم، ولا شك أن الصور التي بناها البوصيري في هذه القصيدة زادت المعنى وعمقته، وأضفت عليه ظلالا عاطفية تثير مشاعر المتلقي وتؤثر فيه، لكنه قلّل هذا التأثير حين بنى صوره على مصطلحات العلوم التي لا يدرك مغزاها إلا قلة.
وهذه سنة البوصيري في صوره جميعها، يعتمد التشبيه ويفصّل فيه، ويمثّل لمعانيه، مثل قوله في بردته:
والنّفس كالطّفل إن تهمله شبّ على ... حبّ الرّضاع وإن تفطمه ينفطم
كالزّهر في ترف والبدر في شرف ... والبحر في كرم والدّهر في همم
كأنّما اللّؤلؤ المكنون في صدف ... من معدني منطق منه ومبتسم
دعني ووصفي آيات له ظهرت ... ظهور نار القرى ليلا على علم
فالدّرّ يزداد حسنا وهو منتظم ... وليس ينقص قدرا غير منتظم «1»
(1) ديوان البوصيري: ص 239.
نام کتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي نویسنده : محمود سالم محمد جلد : 1 صفحه : 412