هذه هي اتجاهات كتابة التأريخ العام، والمناهج التي كتب فيها عند المؤرخين المسلمين، إذ كانت وراء هذا المنحى الكتابي أسباب عديدة من بينها: نشاط حركة التنقل بين الأقاليم والأمصار الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى إنعاش الفكرة العالمية، وتوسع دائرة اهتمام بعض العلماء والمؤرخين فلم يقتصر اهتمامهم على دراسة حادثة أو شخص أو عشيرة أو مدينة بل حوت دراساتهم العالم الإسلامي كله، ومن البديهي أن تكون هذه النظرة العالمية شاملة عند المهتمين بدراسة الإسلام وعلومه، نظرا لأنه دين عالمي بطبيعته وواسع الانتشار بواقعه، فأنتجت عقلية هؤلاء المسلمين تلك التواريخ العالمية الأولى [3] ، ووجد باحث آخر بعد أن عرض مرحلة التغيير الجذري في التصنيف عند العلماء المسلمين في القرن الثالث الهجري، أنه قد حدث في هذا القرن تطور كبير في الكتابة التأريخية حيث ظهر المؤرخون الكبار الذين أفادوا كثيرا من كتب الأخبار، فأعادوا تنظيم مادتها وترتيبها في مصنفات كبيرة سميت ب (كتب التأريخ) ، وقد تميزت بشمولها لأحداث الدولة الإسلامية من دون الاقتصار على أقاليم بعينها كما تميز معظمها باتباع نظام الحوليات [4] .
يبين لنا هذا الكلام الواقع الذي فرض على المؤرخ الإسلامي بأن يأخذ في نظر الاعتبار تسليط الضوء على أرجاء المعمورة التي وصلت إليها راية الإسلام؛ ولكن باحثا آخر بين أن هذه العملية (كتابة التأريخ العالمي) هي وليدة حالة سابقة لها أو متمخضة عنها، إذ يقول: " إن مجرد فكرة التنظيم على السنين، [3] ينظر، روزنثال، المصدر نفسه، ص 183- 184، مصطفى، التأريخ العربي والمؤرخون، 1/ 57- 60. [4] ينظر، مصطفى، تأريخ العرب والمؤرخون، 1/ 202- 204.