والتخويف تسويغا لذلك، إذ يقول: " وقد جعلت هذا التخويف في أول كتابي هذا وآخره ليكون رادعا لمن ميله هوى أو غلبه شقاء فيراقب أمر ربه وليحادر منقلبه فالمدة يسيرة والمسافة قصيرة وإلى الله المصير" [129] .
بين لنا هذا الكلام وجود حالات سرقة وتحريف لبعض المصنفات وشطب لبعض المعلومات التي ترد فيها وذلك في عصر المسعودي أو العصر الذي سبقه، فلولا وجود هذه الظواهر في عصره لما كتب هذه العبارات التي يستشف منها الخوف الذي اعترى المسعودي على كتابه هذا من قيام بعض العابثين بتغيير معاله أو بتغيير نسبته إليه؛ وهذا أمر لم نألفه في المصادر التي تقدمته، لاعتزازه الكبير بما كتب من أمور في كتابه هذا والطريقة التي عرض بها الحوادث التي أرخها فيه.
شغلت السيرة النبوية حيزا بسيطا من هذا الكتاب [130] ، ولكن المنحى الكتابي لهذه الصفحات القليلة قد تنوع تنوعا جوهريا من حيث أسلوب عرضه الذي لم نألفه في المصادر المتقدمة عن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، وهذا المنحى الذي أكسب كتابة السيرة عند المسعودي ضمن التأريخ العام بخاصة والسيرة بعامة تطورا، وذلك لعدة أسباب هي:
1. التقديم والتأخير في حوادث السيرة، وعدم الالتزام بالأسبقية الزمنية لكل حدث حين عرضه [131] ، وهذا الأمر ناشئ عن كون المسعودي قد أنتهج نهجا موضوعيا في عرض حوادث كتابه، ولم يقتصر على هذا الحد بل قام أيضا [129] المصدر نفسه، 2/ 18. [130] ينظر، المصدر نفسه، 2/ 272- 299. [131] ينظر، المصدر نفسه، 2/ 277، 280، 285، 287، 291.