مقارنة هذه النصوص بما ذكره القرآن في هذا الخصوص [190] ، إن إيراد هذه النصوص من التوراة والإنجيل تبين لنا تضلع المقدسي في اللغات غير العربية، وهذا الأمر قد انفرد به المقدسي من بين كتّاب التأريخ العام والسيرة معا في اقتباس مثل هذه النصوص وزجها في هذا المصنف ليحاجج به الخصوص ويفحم به المخالفين والمنكرين للنبوة، وهذا ما أوضحته مقالته التي مفادها: " وهذا مما لا يخالج عاقلا فيه شك ولا تعترضه شبهة في أنه غير جائز للخصم المخالف أن يشهد على خصمه بما في كتابه وينتصر بالتسمية عليه من غير أصل ثابت عنده أو مرجوع واضح لديه وهل الاستشهاد على هذا غلا بمنزلة الاستشهاد على المحسوس الذي لا يكاد يقع الاختلاف فيه فكفى بما تلونا من الايات دلالة على صدق ما دعينا" [191] .
إن إثبات المقدسي للدلائل المؤكدة لنبوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم تبين استعماله المحاججة النقلية والعقلية معا في ذلك وينتهي إلى القول بعد إيراده قسما من هذه الدلائل: " وهذا يرحمك الله باب يعجز كتابنا عن استيفائه ونجتزئ بما ذكرنا عن استقصائه والله المعين برحمته" [192] .
يوضح لنا هذا الأمر قوة الصدام الفكري بين الملل والفرق والطوائف في عصر المقدسي حول فكرة النبوة وإثباتها من جهة، والتعرض الى ذكر دلائلها من جهة أخرى وهذا ما دفع بالمقدسي الى أن يخصص حيزا كبيرا من هذه السيرة [190] ينظر، المصدر نفسه، 5/ 28- 33. [191] المصدر نفسه، 5/ 27. [192] المصدر نفسه، 5/ 44.