نام کتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة نویسنده : الطنطاوي، محمد جلد : 1 صفحه : 115
وقد اقتفى الكوفيون طريق الكسائي، فعولوا على شعر الأعراب بعد أن امتزجوا وتأشبوا "اختلطوا" بالمحتضرين ولان جفاؤهم، ومن أجل هذا كان البصريون يغتمزون الكوفيين فيقول الرياشي البصري "نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وهؤلاء أخذوا اللغة عن أهل السواد أصحاب الكواميخ وأكلة الشواريز"[1].
من ذلك كله ترى أنه لم تتهيأ لهم بيئة تصلح أن تكون منبعا لنمير هذا الفن كبيئة البصريين بمن فيها وفي أرباضها[2] وما دنا منها من العرب الخلص، يضاف إلى هذا ما استفزهم للعمل حثيثا في إبراز فن لهم يضارع الفن البصري غيرة منهم وحنقا على البصريين، فأصاخوا إلى كل مسموع لهم وقاسوا عليه فعثرت بهم عجلة الرأي، ولم يدققوا تدقيق البصريين بل تدرجوا مطاوعة لمناديهم إلى الاكتفاء بالشاهد الواحد ولو خالف الأصل المعروف المتفق عليه بين الفريقين، قال الأندلسي: "الكوفيون لو سمعوا بيتا واحدا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلا وبوبوا عليه بخلاف البصريين"[3].
وقد يتساهلون مع هذا في التثبت من معرفة القائل، وربما استشهدوا بشطر بيت لا يعرف شطره الآخر ولا يعلم قائله كدليلهم على جواز دخول اللام في خبر "لكن" يقول المجهول:
................................ ... ولكنني من حبها لعميد4
وأول من سن لهم طريقة التسامح إلى أبعد مدى شيخهم الكسائي "وذلك أن الكسائي كان يسمع الشاذ الذي لا يجوز من الخطأ واللحن وشعر [1] حرشة جمع حارش صائد الضب، الكواميخ جمع كامخ نوع من الأدم، والشواريز جمع شيراز اللبن الثخين، راجع ترجمة الرياشي. [2] جمع ربض بالتحريك والمراد به هنا الناحية. [3] الاقتراح ص100.
4 باب إن وأخواتها من شواهد الزمخشري في المفصل، والرضي في شرح الكافية راجع الخزانة 865، والمغني مبحث "لكن".
نام کتاب : نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة نویسنده : الطنطاوي، محمد جلد : 1 صفحه : 115