ملاءمة هذا الدين له، وفي الدلالة على ذلك قال الله تعالى في سورة (الروم/30 مصحف/84 نزول) :
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}
وقال سبحانه في سورة (البينة/98 مصحف/100 نزول) :
{وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ}
والتطابق العجيب بين عناصر الإسلام وعناصر الإنسان، الذي يبدو الإسلام فيه مفصّلاً تفصيلاً رائعاً على مقدار خصائص الإنسان الفكرية والروحية والنفسية والجسدية، هو الذي جعل من الإسلام صورة فذة في الوجود، وهو الدليل المادي المستمر الذي يدل على أن الإسلام شريعة ربانية منزلة من عند الله.
لأنّ مثل هذه الصورة الرائعة التفصيل، المحكمة التقويم، على مقدار خصائص الإنسان وحاجاته الدنيوية والأخروية، العاجلة والآجلة، والمسايرة للعصور التي يمر بها في أطوار حياته على هذه الأرض، لا يمكن أن تكون من وضع الناس.
ذلك لأن براهين العقل وتجارب الحياة تثبت أن النظم الوضعيّة الإنسانية مهما ارتقت فإنها لن تصيب الحكمة الشاملة لمختلف جوانب مصالح الناس، وما يسعدهم في دنياهم وأخراهم، ولئن أصابت في جانب منها فإنها لن تصيب في كلّ الجوانب، بل لا بد أن يظهر نقصها أو فسادها في جوانب كثيرة، متى وضعت موضع التجربة، ومرت عليها الأعصر المختلفة.
وكون الإسلام صورة حية مطابقة للحكمة الشاملة في كلّ زمان ومكان شاهدٌ عدلٌ على أنه شريعة من عند الله الذي خلق الأنفس كلها، وخلق فيها خصائصها وغرائزها وحاجاتها ومطالب حياتها، فهو يعلم ما يناسبها، قال الله تعالى في سورة (الملك/67 مصحف/77) :
{أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}