إلى نفوسهم مرض الانحراف عن الهدف المثالي الحق، ودخل إلى قلوبهم داء الوهن، والطمع بالدنيا، وحب الشهوات، والتثاقل عن الجهاد في سبيل الله، والإخلاد إلى الأرض، فوكلهم الله إلى نفوسهم، وسلط عليهم عدوَّهم.
ولن يستطيع المسلمون أن يرفعوا عن صدورهم ضغط أعدائهم، وأعداء دينهم الكثيرون، ما لم يراجعوا دينهم، ويلتزموا بما يوجبه عليهم، ويجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، أما الحروب التي خمل فيها المنتسبون إلى الإسلام شعارات وطنية أو قومية أو غير ذلك مما لا يقره الإسلام، فلم تجن لهم إلا الخيبة والهزائم، لأن الله عزَّ وجلَّ لم يمدهم فيها بعونه وتأييده، وتركهم فيها لوسائلهم، وهي وسائل أضعف من وسائل أعدائهم.
جـ- وسائل الجهاد المقدس:
نظرة إجمالية عامة إلى وسائل الجهاد المقدس تكشف أنها ذات نسق مثالي رائع. فهي تبدأ أولاً بمجاهدة النفس، ثم تثني بمجاهدة الآخرين، ومجاهدة الآخرين تبدأ بوسائل الدعوة المختلفة التي تتدرج من الأخف إلى الخفيف، فإلى الشديد فالأشد، وتراعي في كل ذلك أحوالهم النفسية والاجتماعية، ومكاناتهم ومنازلهم في أقوامهم، وتنتهي هذه الوسائل في آخر الأمر بالقيام بأعمال القتال، وفق الدواعي الذي تقتضيه، من دفاع، أو كسر أسوار تحجب عن الشعوب نفوذ أنوار الحق والهداية إليها.
وابتغاء مرضاة الله، وإعلاء كلمته في الأرض، وإقامة الحق والعدل بين الناس، والحكم بما أنزل الله، هي الغايات المثلى من الجهاد المقدس في قلوب المؤمنين الصادقين.
أما جاهد النفس فيكون بمقاومة جهلها وانحرافاتها الفكرية والاعتقادية بالعلم والمعرفة الحقة، وبمقاومة شهواتها الجامحة وأخلاقها الجانحة بوسائل التربية الفضلى والسلوك الأقوم. كمقاومة الطمع فيها بالقناعة، وتحويل أطماعها إلى ما عند الله من أجر عظيم لأهل طاعته. وكمقاومة الحسد فيها بالرضى عن قسمة الله، والاعتقاد بأن العطاء والمنع بيده، وأنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، وأن كلاً من عطائه ومنعه لا بد أن يكون لحكمة يعلمها، وقد