التي لا تحمل رسالة جهاد مقدس تعاني أكبر ما تعاني مما يمسى عند العسكريين بفقد الروح المعنوية، وتحاول قياداتها رفع هذه القوة بوسائل مختلفة دعائية ونفسية ومادية، ومن الوسائل المادية ما يتم به سلب الشعور العاقل عند الجندي المقاتل، عن طريق المسكرات، ولكن كل وسائلهم لا تحقق بعض النتائج التي يحققها الإيمان.
أما الجيوش التي تحمل رسالة الجهاد المقدس بصدق فإنها قلما تصاب بفقد الروح المعنوية، ولو لم يتحقق لها الظفر المادي على العدو، لأن كل مقاتل فيها يعتقد أنه قد ظفر بما يقاتل من أجله، وهو بلوغ رضوان الله، واستحقاق الأجر عنده، وأنه يقاتل لغاية هو يرجوها ويطلبها، ولم يفرض عليه القتال لمصلحة غيره من الناس.
أما النصر المادي فيعتقد أنه بيد الله يؤتيه من يشاء لحكمة يعلمها، وحكمة الله غير متهمة في قلوب المؤمنين.
وقد لاحظ أعداء الإسلام هذه العقيدة القوية الراسخة التي تجعل جيوش حملة رسالة الجهاد المقدس كأنها الجبال الراسيات قوة وثباتاً، وامتحنوها بشكل عملي خلال قرون، فوقفوا أمامها وقد مستهم صدمة عنيفة من الذعر والدهش والحيرة، ثم لم يجدوا سبيلاً لتفتي هذه القوة الهائلة إلا بأن يأتوا إلى جيوش رسالة الجهاد المقدس فيفرغوها من سر قوتها الحقيقية، ويضعوا مكانها قوة خلبية باردة، ثم يوجهوا عليها ضرباتهم القاصمة، ورأوا أنه لن يتم لهم الظفر عليها إلا بذلك، وكذلك فعلوا فوجهوا جهودهم لإزالة قوة الإيمان بالله وتهديم البواعث على الجهاد المقدس، وأتبعوا ذلك بإلغاء شروط القتال في سبيل الله، ووضعوا مكان كل ذلك قوى صورية تعطي صوتاً عظيماً مدوياً، ولكنها لا تحدث إلا أثراً يسيراً، وقد لا تحدث أي أثر إلا أثراً ضد حاملها، ووضعوا مكان الشروط الربانية شروطاً أخرى، فأحلوا محل الاعتماد على الله الاعتماد على إمدادات الدول الطامعة ذات المصالح الشخصية، والاغترار بالنفس، وأحلوا محل ذكر الله عبارات قومية وعنصرية، وأغانٍ مشحونة بتبجحات حقيرة وحميات جاهلية وبردوا حرارة الاندفاع الحقيقي إلى القتال، ففقدت