نام کتاب : أصول الدعوة نویسنده : عبد الكريم زيدان جلد : 1 صفحه : 228
فإنَّ هذا الخضوع يظهر في جدية التنفيذ والمسارعة فيه والحرص عليه، فلا يفيد الادِّعاء بالخضوع لسلطان الإسلام مع المخالفة الفعلية له، ومع هذه الجدية في التنفيذ والمسارعة فيه مساواة بين الرعية في تنفيذ القانون الإسلامي عليهم؛ لأنَّ الخليفة لا يملك تعطيل القانون بالنسبة لواحدٍ منهم، وإلّا كان مسئولًا عن ذلك مسئولية دينية أمام الله في الآخرة، وأمام الأمة التي اختارته في الدنيا، كما أنَّ الأمة كلها لا تملك تعطيل القانون بالنسبة لأيِّ فرد، ولا يجوز لها السعي في هذا المجال المحرم بالشفاعة السيئة أو التأثير على الخليفة، وقد بَيِّنَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه المعاني بصورة حاسمة وصريحة في مسألة المرأة المخزومية التي سرقت وأهمَّ الناسُ أمرها، فطلبوا من أسامة أن يكلِّم فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجه الشفاعة لها عنده، عسى أن يعفيها من إقامة الحدِّ أو يجد لها مخرجًا، وقد غضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك، وقال في خطبة له في الناس على أثر ذلك: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
الدولة الإسلامية دولة قانونية:
364- وإذا تبيِّن لنا أنَّ الخليفة والأمَّة خاضعون لسلطان الإسلام، فإنَّ معنى ذلك أنَّ الدولة الإسلامية يمكن وصفها بأنها "دولة قانونية" أو "دولة قانون"، أي: إنها تخضع في جميع تصرفاتها وشئونها كما يخضع جميع الأفراد في جميع تصرفاتهم وعلاقاتهم إلى القانون، وأعني بالقانون هنا بالنسبة للدولة الإسلامية القانون الإسلامي المتمثِّل بكتاب الله وسنة رسوله، وما قام عليهما من استنباط صحيح واجتهاد سائغ مقبول، قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} ، {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، ويترتَّب على ذلك أنَّ نظام الحكم الإسلامي لا يقوم على معنى باطل قد يتلبس الحكم أو يقارنه أو يخالطه، مثل: الهوى والطغيان والتكبر في الأرض وحب الفساد والتسلط على الآخرين وغمط حقوق الناس وتسخيرهم للشهوات، ونحو ذلك من المعاني الفاسدة التي لا تنفكّ عنها نظم الحكم الوضعية؛ لأن نظام الحكم الإسلامي خاضع للقانون الإسلامي المبرَّأ من هذه العيوب والمفاسد، ومن مظاهر هذا الخضوع أنَّ الأمة في اختيارها الخليفة أو
نام کتاب : أصول الدعوة نویسنده : عبد الكريم زيدان جلد : 1 صفحه : 228