الأقربون يضحكون ويهزأون عندما وضعت حدود فاصلة بين بلاد الشام بعضها بعضاً، وبين أقاليم الجزيرة وبين مصر والشام، وكانت هذه الحدود الجغرافية نوعاً من السخرية التي تجاري الشعوب فيها حكامها دون أن تؤمن بشيء من ذلك، ولذلك رأينا كيف هب المسلمون على اختلاف أقاليمهم لنجدة فلسطين متطوعين بأموالهم وأنفسهم عندما علموا بدخول اليهود إلى هناك، ولن أنسى مطلقاً كيف جلست والدتي تقنع أخي محمد وكان دون العشرين من عمره أن يعدل عن قراره بالذهاب إلى فلسطين وهو يقول.. يا أمي سأموت شهيداً وسيجري الدم على جبهتي هذه.. وتتوسل إليه والدتي وتقول له: يكفي ذهاب أبيك يا محمد ليس لنا غيرك فيقول لا علاقة لذهابي بذهاب أبي، إنني مسؤول عن نفسي.. وكان عمري في ذاك الوقت ثمانية أعوام فقط، وذهب أخي وقتل شهيداً هناك على أرض فلسطين وعاد أبي من هناك بعد انقضاء الحرب وبعد أن عدوه مفقوداً، ونحن مع ذلك من صميم الريف المصري.. ولكن هذه الحدود الجغرافية السياسية تعمقت مع الأيام وأصبحت حقائق راسية رسو الجبال الشامخات ليس فقط على صفحات الخرائط وإنما في حنايا القلوب والصدور.
وابتدأت الخلافات السياسية بين الأقاليم تشعلها السياسة وأصحابها بسبب وبغير سبب وبالأمس كانت الشعوب الإسلامية العربية تتفرج على هذه الخلافات على أنها أنواع من التسلية واللهو والألاعيب السياسية، وخاصة أن هذه الشعوب كانت ترى الحكام على كل خلاف وسباب يلتقون ويقبلون الخشوم وكأن شيئاً لم يكن.. ولكننا في هذه الأيام ننتقل نقلة جديدة ونتجرع جرعة جديدة من كأس السم والذل الذي ركبه أعداء هذه الأمة القائمون على لعبة الأمم، وهذه اللعبة الجديدة أصبحت تعني إشراك الشعوب الإسلامية