ومهما تكلمت عن المستقبل والاستعداد فإنما هي رؤية فردية أضعها في متناول الذين يملكون اتخاذ القرارات لتكون على الأقل من باب التحذير والتنبيه وليضم ما فيها من خير -إن وجد- إلى جملة الآراء الخيرة التي لم تعدمها الأمة بعد، ونستطيع أن نلخص الاستعدادات الواجبة في هذا المجال كالآتي:
* أولاً: الاستعداد السياسي:
الهيكل السياسي في أي أمة من الأمم أو دولة من الدول هو عامل النصر الأول كما أنه عامل الفشل الأول في أي تحد يواجه الأمة، فإذا كان صناع القرار عند مستوى المسؤولية فهما ودراية وحزماً وقد أمنوا ظهورهم وسار الشعب من ورائهم فلا شك أنهم سيستفيدون فائدة كاملة بكل إمكاناتهم ومقدراتهم، بل سيفجرون في الأمة طاقات الإبداع والتضحية والفداء، وأما إذا كان العكس فإن الاتهام المتبادل والشك الذي يساور كلا الطرفين تجاه الآخر سيمنع كل منهما أن يبذل شيئاً.
ومسلسل الانقلابات والانقلابات المضادة ثم الانقلاب على الانقلاب وثورات التصحيح والتعديل التي مرت بها الأمة جعل المواطن في هذه المنطقة يعيش حالة التوجس ويسيء النية دائماً ويفسر كلام الحكام بخلفياته ومراميه لا بنصوصه ومعانيه، ويشجع الأفراد على هذا المنحى الانفصال الظاهر بين القول والعمل، بين الأهداف المعلنة والسلوك الفعلي أو بالأحرى بين ما يلزم الحاكم به شعبه وما يلتزم به هو وما يسمح لنفسه بأن يفعله، وقد أدى هذا بالطبع إلى تبديد إمكانات الأمة، فالأموال -ونحن أغنى شعوب الأرض الآن- هربت من بلداننا إلى أوروبا وأمريكا لأنها أكثر استقراراً وأمناً، وعلماء المادة (والتكنولوجيا) هربوا إلى هناك أيضاً لأنهم