تمهيد بينت في الفصل الأول التدرُّج في موضوع الدعوة فذكرت التوحيد وأهمية البدء به، ثم عقبت ببيان الشريعة وصلتها بالتوحيد وأهمية التدرج في الدعوة إليها، وفي هذا الفصل سوف أبين الوسيلة النبوية التي من خلالها تم عرض هذا الموضوع، فلكل موضوع فكرة ووسيلة، والداعية له وسائله العديدة في إيصال دعوته وتبليغها للناس، ولكل وسيلة زمانها ومكانها الملائم لها، فمن الوسائل ما يصلح لزمان ولا يصلح لزمان آخر، وقد تكون هذه الوسيلة مثمرة لكنها في وقت آخر تصبح مثار سخرية واستهزاء [1] .
وبعد تأملي لسيرته صلى الله عليه وسلم العطرة تبينت أن وسائله عليه الصلاة والسلام في تبليغ الدعوة وحمايتها قد جاءت متدرجة كأنها حلقات في سلسلة، كل حلقة تقود إلى التي تليها فأظهرت لنا هذه الوسائل طبيعة التدرج في السير خطوة خطوة، فبدأ صلى الله عليه وسلم بوسيلة القول واستمرت هذه الوسيلة طيلة العهد المكي، ثم لما هاجر صلى الله عليه وسلم حيث الجماعة المسلمة وأقام دولة الإسلام اتخذ وسيلة لحماية هذه الجماعة وتلك الدولة وهي السرايا والغزوات، اتخذها صلى الله عليه وسلم للدفاع عن الدعوة وحمايتها من المعتدين، ثم بعد أن هادن العدو في الحديبية اتخذ وسيلة بلاغية وهي الكتب والرسائل، اتخذها لتبليغ الدعوة إلى العالم الخارجي، ثم كانت آخر وسائله صلى الله عليه وسلم بعث البعوث ليقوموا بمهمة البلاغ والتعليم، وفيما يلي التفصيل في هذه الوسائل. [1] د. زيد بن عبد الكريم الزيد، الحكمة في الدعوة إلى الله ص 89.