والأساسية في عرض دعوته في العهد المكي [1] وحين تأملي لسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم في هذا العهد تبين لي مصداق ذلك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته سرًّا بالقول، ثم لما نزل قوله تعالى {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] [2] جهر صلى الله عليه وسلم بالقول فقام خطيبا على جبل الصفا ينذر قريشا ويدعوهم إلى الله [3] «ودعا عليه الصلاة والسلام عمه أبا طالب قائلًا له: أي عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله» [4] .
ومما يؤكد أن وسيلته صلى الله عليه وسلم في هذا العهد القول حديث إسلام عمرو بن عبسة رضي الله عنه، فقد روى مسلم عن أبي أمامة قال: «قال عمرو بن عبسة السلمي: كنت وأنا في الجاهلية أظن الناس على ضلالة، وأنهم ليسوا على شيء، وهم يعبدون الأوثان، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا، فقعدت على راحلتي، فقدمت عليه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا جرآء عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: ما أنت؟ قال: " أنا نبي "، فقلت: وما نبي؟ قال: " أرسلني الله " فقلت: وبأي شيء أرسلك؟ قال: " أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله لا يشرك به شيء. . .» [5] فقوله: " فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارًا " هذا الحوار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين هذا [1] انظر د. حسن عيسى عبد الظاهر، فصول في الدعوة الإسلامية ص 87. [2] سورة الحجر، الآية: 94. [3] انظر مسفر البواردي، أسس الدعوة في سورة إبراهيم عليه السلام ص 86. [4] البخاري، صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (ك 68 ح 4494) 4 / 1788، 1789. [5] مسلم، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب إسلام عمرو بن عبسة (ك 6 ح 294) 1 / 569.