وقد أثبت الرسول صلى الله عليه وسلم الأجر لصانع السلاح والممد به كما أثبته لمن يباشر القتال به.
ومن هذا يتضح بأنه ينبغي أن تكون مدارس المسلمين ومعاهدهم وجامعاتهم محققة لهذا المعنى منجبة علماء مسلمين هدفهم الأول تحقيق العبودية للإله الواحد في ذات أنفسهم، ثم دعوة غيرهم إلى تحقيقها، لا فرق بين متخصص وغير متخصص كلهم رجال دين وإن لم يكونوا كلهم علماء دين بالمفهوم التخصصي، كل منهم راسخ العقيدة ثابت الإيمان زكي الخلق عالم بما يحب عليه من عمل، عضو عامل مجاهد داع إلى الله، لا فرق- في الأصل- بين مدرس وقاض وطبيب وسياسي واقتصادي وصانع. كل منهم يشعر وهو يؤدي عمله أنه يعبد الله ويحقق مع إخوانه الخلافة التي أراد الله منهم تحقيقها في الأرض. لا انفصام ولا تنافر ولا خلاف بل التحام وتعاون واعتصام يجسدون في الواقع معنى الأخوة:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ومعنى التعاون: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
(واقع البشرية قبل المنهج الأقوم)
ولقد كانت أمم العالم قل البعثة المحمدية- التي حملت أقوم منهج للبشرية كلها إلى يوم القيامة- في تيه وضياع. كانت كما وصفها الأستاذ الندوي في كتابه القيم "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين". بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزاً عنيفاً فإذا كل شيء فيه في غير محله، نظر إلى العالم فرأى إنساناً هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والنهر وكل ما لا يملك لنفسه النفع والضرر.
رأى إنساناً معكوساً قد فسدت عقليته فلم تعد تستسيغ البديهيات وتعقل الجليات وفسد نظام فكره فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس. يستريب في موضع الحزم ويؤمن في موضع الشك.
وفسد ذوقه فصار يستحلى المر ويستطيب الخبيث ويستمرىء الوخيم، وبطل حسه فأصبح لا يبغض العدو الظالم ولا يحب الصديق الناصح.