تنقل الأمراض المعدية الفتاكة المؤذية، هل رأى أحد تلك الذبابة تحولت بذاتها إلى نحلة تنتقل من زهرة إلى أخرى تقطف من أكثرها طراوة وأحسنها رائحة ما تحوله في معملها العجيب إلى عسل مصفى فيه شفاء للناس.
نعم والله لقد تحولت ذبابة قذرة مؤذية، هي الجاهلية الكافرة النتنة إلى نحلة معطاءة إلى أمة إسلامية، عمر بن الخطاب نفسه تحول إلى عمر الفاروق الذي ما سلك فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غيره. سمية الضعيفة تحولت إلى جبل أشم يقف أمام أبي جهل. مجتمع قريش الجاهل، بل مجتمع الجزيرة العربية، بل مجتمع العالم كله تحول من مجتمع خرافة إلى مجتمع إيمان، من مجتمع فوضى إلى مجتمع نظام من مجتمع ظلم إلى مجتمع عدل، من مجتمع تائه ضائع بلا غاية إلى مجتمع هدفه رضا الله وإخراج الناس من الظلمات إلى النور بذلك السر العجيب منهج الإسلام الخالد: كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبتلك القدوة الحسنة التي كان خلقها القرآن.
قال الأستاذ الندوي في كتابه السالف الذكر:
" بهذا الإيمان الواسع العميق، والتعليم النبوي المتقن، وبهذه التربية الحكيمة الدقيقة، وبشخصيته الفذة، وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تخلق جدته، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنسانية المتحضرة حياة جديدة.
عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداس من المواد الخام لا يعرف أحد غناءها ولا يعرف محلها وقد أضاعتها الجاهلية والكفر والإخلاد إلى الأرض فأوجد فيها بإذن الله الإيمان والعقيدة. وبث فيها الروح الجديدة وأثار من دفائنها، وأشعل مواهبها، ثم وضع كل واحد في محله فكأنما خلق له، وكأنما كان المكان شاغراً لم يزل ينتظر ويتطلع إليه، وكأنما كان جماداً فتحول جسماً نامياً وإنساناً متصرفاً، وكأنما كان ميتاً لا يتحرك فعاد حياً يملي على العالم إرادته، وكأنما كان أعمى لا يبصر الطريق فأصبح قائداً بصيراً يقود الأمم {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} .." اهـ.
إن السعي لتحقيق هذه القمة الرفيقة فرض على الأمة الإسلامية لتأخذ زمام البشرية مرة أخرى وتقودها إلى شاطىء السلامة والأمان بنور هذا الدين الحنيف ولا يمكن