ولنستمع إلى المستشرقة الألمانية زغريد هونكه - إذ تقول في كتابها المشهور (شمس العرب تسطع على الغرب) : " وهكذا فإن لعلم الفلك لدى المسلم معنى دينياً عميقاً فالنجوم ومدارها والشمس وعظمتها والقمر وسيره لبرهان ساطع على عظمة الله وقوته، الخالق الذي جاء باسمه النبي العربي مبشراً به خالق السموات والأرض وجاعل الظلمات والنور العليم بما في الصدور" اهـ.
وقالت في الصفحة التالية: " ولن ننسى في هذا المجال أن نذكر عامل الزمن وتحديد أوقات الصلاة والصوم إذ أن كل مؤذن كان يحكم مهنته عالماً فلكياً صغيراً له معرفة علمية بعلم تحديد الأوقات، فهو مضطر أن يفهم كيف يدير الأشعة ليتمكن من تحديد موعد الأذان خمس مرات يومياُ وهو مسوق أيضاً للقيام بحسابات دقيقة لمعرفة أوقات ظهور القمر أول شهر رمضان وفي نهايته، وعليه كذلك أن يحسب مواعيد غروب الشمس وشروقها لتحديد مدة الصيام وموعد الإفطار وليس هذا كل شيء فحسب بل إن كسوف الشمس وخسوف القمر كان يجري حسابها نظراً لما لهاتين الظاهرتين.. من تأثير خارجي على بعض الفروض الدينية بالإضافة إلى تعيين اتجاه مكة المكرمة حيث القبلة التي يولي المؤمن وجهه قبالتها كلما أراد أن يصلي، إذن فقد كان اهتمام المسلمين بمظاهر السماء ضرورياً للغاية، بل قل أكثر ضرورة من الغذاء اليومي نفسه، لذلك تهافتوا- كالأطفال (هكذا) - إلى كل ما يمكن أن يزيدهم علماً ومعرفة ولم يمض وقت طويل حتى أصبح علم الفلك أقرب حقل علمي إلى نفوسهم" اهـ.
واقع المسلمين اليوم
تلك كانت حالة المسلمين عندما كان المنبع الذي يرتوون منه صافياً لم تشبه شائبة، وهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعندما كان المسلم يتلقى العلم للعمل والتطبيق لا لمجرد الشهرة أو المباهاة وعندما كان الداخل في الإسلام لا يلج بابه إلا بعد خلع الجاهلية في قوله وفعله واعتقاده فكان المحافظ على الصف الأول في الصلاة هو المحافظ على الصف الأول في المعركة، وكان حامل المصحف ليقرىء الناس هو حامل اللواء ليقود الناس.