نام کتاب : تأملات نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 116
فالتضامن الإفريقي الآسيوي لحظة معينة من الحوار التاريخي الذي أشرنا إليه، ولكنه اللحظة التي تغير مجرى هذا الحوار وتوجهه في اتجاه جديد، بين شعوب تواجه مشكلات البناء والبقاء، ودول تقدس القوة وتراها الحل الوحيد لجميع المشكلات القائمة في العالم.
ولكن لو تأملنا مرة أخرى جدول التناقضات الذي قدمناه، لأدركنا جانب الضعف في التضامن الإفريقي الآسيوي، لنرى من خلال هذا الجدول أن الوعي الذي يتمثل في ردود أفعاله، يتكون ويتطور طبقا للأسباب التي نشأت على محور واشنطن موسكو، المتصلة بمشاكل القوة، أكثر من الأسباب الناشئة على محوره، المتمثلة في مشاكل البقاء، أي أن هذا الوعي يتصل أكثر، بالأسباب السياسية الناتجة عن الحالة العأمة في العالم، كما تشكلها الأوضاع القائمة على المحور الآخر، أكثر مما يتصل بالأسباب التاريخية الاجتماعية المتكونة على محوره، وقرارات باندونج والمبادئ الخمسة، التي تكون التوجيهات الأساسية للتضامن الإفريقي الآسيوي، تعبر عن هذا الاتجاه المنحرف، انحرافا يجعل الأسباب الاجتماعية الماثلة في صورة النموذج البشري، الذي اكتشفه زائر السماء في رحلته من طنجة إلى جاكرتا في المرتبة الثانية من الأهمية، بينما يجب أن تكون هي المشكلات الأساسية التي يواجهها الوعي الإفريقي الآسيوي.
ويبدو فعلاً أن هذا الاتجاه لا زال قائماً، وأن الاهتمام لا زال منصرفاً إلى المشكلات السياسية منذ مؤتمر باندونج أكثر من المشكلات الاجتماعية، فنرى أن الأولى تدرس وتعالج على أعلى مستوى في المؤتمرات التي تعاقبت، وأعطت فعلاً مفهوم التضامن الإفريقي الآسيوي أقصى معناه في الاتجاه السياسي، بينما نعالج الثانية في نطاق الرسميات أو عن طريق المبادرة الفردية، أي في نطاق محدود الإشعاع من الناحية الأيديولوجية، أو بعبارة أوضح بوسائل لا تشكل التضمامن الإفريقي الآسيوي في أكمل معناه، وربما ينجر هكذا الوعي الإفريقي
نام کتاب : تأملات نویسنده : مالك بن نبي جلد : 1 صفحه : 116