على الإخلاص فيها إلى الله وعلى عدم التمكن من العودة إلى ارتكاب مثل هذه الجريمة، فصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجهه عنه مرة ثانية، ثم عاد مرة ثالثة فصرف وجهه مرة ثالثة، ثم عاد مرة رابعة فسأله: "أبك جنون؟ أو لعلك قبلت أو غمزت أو لمست؟ " قال: لا. وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقنه التراجع عن الاعتراف بالانصراف عن سماعه أولا، وبالتشكيك في الفعل ثانيا، ولكنه أصرَّ على طلب العقوبة فلم يجد عندئذ بدا من الأمر بإيقاعها فيه بناء على إصراره على الاعتراف. ولقد ندم بعد بدء تلقي العقوبة فهرب، فتبعه المأمورون بإنفاذ العقوبة حتى قتلوه، وقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولته المشهورة: "هلا تركتموه فيتوب أو يتوب الله عليه" [1].
3- فالإنسان في نظر القرآن: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4] و {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] . من أجل ذلك حرم الإسلام الانتحار واعتبره جريمة عظمى في حق الإنسان، بدليل خطورة العقاب الأخروي, وباعتبار أن روحه ليست ملكا له؛ لأنها ليست من صنعه، وإنما هي ملك لبارئها وخالقها، وفي ذلك يقول الإمام الشاطبي: "ونفس المكلف داخلة تحت هذا الحق -أي: حق الله تعالى- إذ لا يجوز له أن يعتدي على نفسه بالإتلاف"[2].
4- وهذا يفضي إلى مبدأ آخر من المبادئ التي يرتكز عليها حق الإنسان في الإسلام, وهو مبدأ اتحاد عنصري الحق والواجب وتلازمهما، فالاعتقاد بثبوت هذه الحقوق الأساسية يكون أولا بالشرع والتكليف.
5- فالحق في الحياة: وهو حفظ النفس, من الحقوق الأساسية المقررة في الشرع الإسلامي، وتعني عصمة الشخصية الإنسانية في عناصرها المادية، وهي سلامة الجسم بجميع أعضائه من الإتلاف، والمعنوية أي: الكرامة والأفكار الذهنية والمعتقدات وغيرها. وقد اعتبر الإسلام حياة الإنسان المقصد الأول الذي ترجع إليه سائر المقاصد الأساسية بعد المحافظة على الدين؛ لتوقفها جميعا [1] رواه البخاري "باب الحدود"، ص28، والإمام أحمد. [2] كتاب الموافقات.