5- وبينما يحفل التاريخ القديم بمجازر عنصرية وطائفية لا نجد من الإسلام إلا تسامحا تجاه أبناء الديانات الأخرى، وأما العناصر العرقية، فقد ذوبها الإسلام في بوتقته، وصهرها صهرا، فما عادت النزعات الجنسية تجرؤ على أن تطل برأسها البغيض إلا في أزمنة الفتن "كالشعوبية"، أو حرب الخليج الأولى "بين العراق وإيران"[1].
6- ولم نسمع في تاريخ الإسلام الممتد في الوجود عبر أربعة عشر قرنا عن تصفية طائفية كما يفعل في المسلمين البورمانيين سكان بورما، أو عن تطهير عرقي كما يحدث في البوسنة والهرسك على أيدي الصرب، أو كما حدث من قبل في أفران الغاز التي تصبها الحكم النازي الهتلري لليهود، أو كما نجد من بطش الصهاينة بالأخوة الفلسطينيين في فلسطين ولبنان، حيث يسومونهم القصف والتهديد، والتشريد بأسلوب أقل ما يوصف بأنه منتهك لحقوق الإنسان، بالإضافة [1] على نهج الإسلام المتسامح في المقابل تمضي وصايا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم للمجاهدين، فيقول: "اغزوا في سبيل الله، وفي سبيل الله تقاتلون من صد عن سبيل الله، ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا امرأة ولا طفلا". وعلى نفس الطريق يسير أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فيقول أحد قادة الشام "يزيد بن أبي سفيان": "إنك ستجد قوما حبسوا أنفسهم الله -يعني الرهبان في الأديرة- فذرهم وما حبسوا أنفسهم له.. إني موصيك بعشر: لا تغدر، ولا تمثل، ولا تقتل هرما، ولا امرأة، ولا وليدا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا، ولا تحرقوا نخلا، ولا تخربوا عامرًا، ولا تغلوا، ولا تجبنوا عند اللقاء". ويمضي عمر على نفس السبيل، فيوصي قادته: "امضو باسم الله على عون الله، وبتأييد من الله، وما النصر إلا من عند الله، والزموا الحق والصبر، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند المقدرة، ولا تسرفوا عند الغلبة، ولا تقتلوا شيخا، ولا امرأة، ولا وليدا، واحذروا قتلهم -أي الشيخ والمرأة والوليد- إذا التقى الجمعان، وعند شن الغارات".
ومن وصايا عمر رضي الله عنه أيضًا: "إن الله أفضل العدة على العدو، فكونوا أشد احتراسا من المعاصي، فإن ذنوب الجيوش أقوى عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بمعصية العدو لله، ولولا ذلك لن يكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم فإن استوينا في المعصية كانت الغلبة لهم والهزيمة لنا".
وانظر كتاب: "مع القرآن الكريم"، لعبد العزيز سرحان وآخرون، القاهرة.