أخبر أن هذه الأمة تفعل كما فعلت الأمم قبلها: اليهود والنصارى وفارس والروم ... ) [1].
وكان من جواب علامة العراق محمود شكري الآلوسي على الاستدلال بهذا الحديث أنه قال:
(.. الحديث لا يدل على عدم وقوع الكفر في جزيرة العرب وانتفاء الإلحاد فيها، فإن الدلالة على ذلك مما لا يحتاج في إبطالها إلى دليل.. فقد ارتد عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعض قبائل العرب الساكنين في صميم الجزيرة العربية، حتى قاتلهم الصديق رضي الله عنه بعد أن حكم هو والصحابة بكفرهم، ولا يبعد أن يقال مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " إن الشيطان.. " [2] أن الشيطان لا يطمع أن يعبده المؤمنون في جزيرة العرب، وهم المصدقون بما جاء به الرسول من عند ربه المذعنون له، المتمثلون لأوامره، ولا شك أن من كان على هذه الصفة فهو على بصيرة ونور من ربه، فلا يطمع الشيطان أن يعبده ...
فوجود مثل هذا في جزيرة العرب لا ينافي الحديث الصحيح، كما لا يخفى على من له قلب سليم وعقل رجيح. وإطلاق لفظ المصلين على المؤمنين كثير في كلام العارفين.
ويحتمل أن يراد بالمصلين أناس معلومون بناء على أن تكون "أل" للعهد وأن يراد بهم الكاملون فيها ... وهم خير القرون، يؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم- في آخر الحديث-: " ولكن في التحريش بينهم.. "[3] يقول الطيبي: لعل المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه رضوان الله عليهم أجمعين. أي أيس أن يعبد فيها، ولكن يطمع في التحريش. - إلى أن قال الآلوسي- وأنت تعلم أن الدليل متى طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال) [4].
وكما أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أخبر بوقوع الشرك وحدوثه في هذه الأمة، ووقع وحصل هذا الإخبار بما هو مشاهد عيانا، فإنه- أيضا- أخبر بأن الله تكفل لهذه الأمة بحفظها دينها، فقال صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله " [5][6].
1 "مجموعة الرسائل والمسائل" 4/482- 487 بتصرف. [2] صحيح مسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار (2812) , وسنن الترمذي: كتاب البر والصلة (1937) , ومسند أحمد (2/368 ,3/313 ,3/354) . [3] صحيح مسلم: كتاب صفة القيامة والجنة والنار (2812) , وسنن الترمذي: كتاب البر والصلة (1937) , ومسند أحمد (3/313 ,3/354 ,3/366 ,3/384) .
4 "فتح المنان تتمة منهاج التأسيس" ص 497- 499 باختصار. [5] سنن الترمذي: كتاب الفتن (2229) , وسنن ابن ماجه: كتاب المقدمة (10) , ومسند أحمد (4/97 ,5/279) . [6] رواه مسلم.