ويبين محمد بن مصطفى الحسني جواز التوسل والاستغاثة بغير الله، لعدم اعتقاد هؤلاء المستغيثين والمتوسلين التأثيرَ لغير الله، ولا يكتفي الحسني بذلك، بل يقرر انتفاء التأثير وسقوط الأسباب، فليست النار سببا في الاحتراق وإنما اقترنت النار بالإحراق فقط ... يقول:
(والمسلمون لم يعتقد أحد منهم التأثير في الواسطة المتوسل بها إلى الله، كيف وصغار الولدان منهم يعرف ذلك ضرورة لقراءته كلام الله كل حين، وقد نفوا التأثير عما يحكم عليه بالعادة أنه مؤثر بحاسة العيان كالنار مثلاً، فإن إحراق ما مسته لا دلالة للعادة عليه أصلا، وإنما غاية ما دلت عليه العادة الاقتران فقط بين الأمرين ... ) [1].
ويجعل دحلان كلاً من التوسل والتشفع والاستغاثة بالأموات بمعنى واحد هو التبرك فقط ... ثم يدعي أنهم أسباب يرحم الله بهم، لكن الله هو المؤثر وحده، ولكن أيضاً هؤلاء الأموات سبب عادي لا تأثير له!! يقول دحلان:
(فالتوسل والتشفع والاستغاثة كلها بمعنى واحد، وليس لها في قلوب المؤمنين معنى إلا التبرك بذكر أحباء الله تعالى، لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم سواء كانوا أحياء أو أمواتاً، فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالى، وذكر هؤلاء الأخيار سبب عادي في ذلك التأثير، وذلك مثل الكسب العادي فإنه لا تأثير له) [2].
ويورد دحلان قولاً آخر يدعي فيه مساواة الحي بالميت، لأن كلاً منهما لا تأثير له في شيء، ومن اعتقد أن الحي يقدر على بعض الأشياء، فقد اعتقد اعتقاداً باطلا، يقول:
(الحي والميت مستويان في أن كلاً منهما لا تأثيرله في شيء.. واعتقادكم أن الحي قادر على بعض الأشياء يستلزم اعتقادهم أن العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، وهذا اعتقاد فاسد ومذهب باطل، فإن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الخالق للعباد وأفعالهم هو الله وحده لا شريك له، والعبد ليس له إلا الكسب الظاهري.. فيستوي الحي والميت في أن كلاً منهما لا خلق له ولا تأثير، والمؤثر هو الله تعالى وحده ... ) [3]. ويدعي السمنودي- كأسلافه السابقين- عدم التفريق في التوسل بين أن يكون
1 "إظهار العقوق في الرد على منع التوسل إلى الله تعالى بالنبي والولي الصدوق"، مطبعة التقدم مصر،1327هـ، ص48.
2 "الدرر السنية في الرد على الوهابية، ص 14. [3] المرجع السابق ص34، بتصرف يسير.