(وقد فرق القرآن بينهما في قول صاحب يس {أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ} [1] فالإنقاذ هو بالنصرة والمظاهرة، والشفاعة بالجاه والمكانة) [2].
وينبه الشيخ أبو بطين على ما يقع اللبس فيه، من إطلاق القول بأن الله ملك المؤمنين الشفاعة، فيقول رحمه الله:
(إطلاق القول بأن الله ملك المؤمنين الشفاعة، خطأ، بل الشفاعة كلها لله وحده {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [3] وأثبت سبحانه الشفاعة بإذنه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء يشفعون، والصالحين يشفعون، وعلى هذا فمن أذن الله له في الشفاعة، يصح أن يقال إنه ملك ما أذن له فيه فقط، لا ما لم يؤذن له فيه، فهو تمليك معلق على الإذن والرضا لا تمليك مطلق كما يزعمه هذا الضال[4] وسيد الشفعاء صلوات الله وسلامه عليه لا يشفع حتى يقال له ارفع رأسك، وقل يسمع واشفع تشفع..) [5].
ويؤكد الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن على هذا التنبيه، ويزيده بيانا ووضوحا بقوله:
(وليس قولهم: إنه أعطي الشفاعة بمعنى ملكها وحازها كسائر العطايا والأملاك التي يعطاها البشر، وأيضا فإن الله يعطي رسله وأولياءه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، أفيقال إن الله أعطاهم ذلك، وملكهم إياه، فيطلب منهم ويرغب إليهم فيه؟ فإن كان ذلك مشروعا وسائغا، فالشفاعة قيدت بقيود لم تقيد بها هذه العطايا والمواهب السنية، وقد قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [6] وقد قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} [7] وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [8]) [9]. [1] سورة يس آية: 23.
2 "تأسيس التقديس"، ص 24. [3] سورة الزمر آية: 44. [4] يقصد داود بن جرجيس.
5 "تأسيس التقديس"، ص 82. [6] سورة الزمر آية: 44. [7] سورة الأنبياء آية: 28 [8] سورة البقرة آية: 255.
9 "مصباح الظلام"، ص 255. وانظر: ما كتبه الشيخ عبد اللطيف حول منع طلب الشفاعة من محمد صلى الله عليه وسلم بعد موته في "الدرر السنية" 9/301. وانظر: ما كتبه أيضا حول أن الشفاعة لله لا تطلب إلا منه في كتاب "منهاج التأسيس" ص 312.