وقال عن الباقي: لا أعلم، وكثير من الصحابة كانوا لا يتجرءون على الفتيا إلا للضرورة، وبعد التأكد من المسألة حتى تصبح عندهم مثل الشمس في رابعة النهار، أما محاولة الإجابة عن أي سؤال لا علم، بحيث تجعل السائل في دوامة، فلا تعطيه جوابًا صحيحًا واضحًا، بل تقول له كلامًا مبهما فيه لبس، وتلبيس قد يكون من تلبيس إبليس، لا يفهم منه شيء ولا يستفاد منه أية فائدة تذكر، هذا الأسلوب خطأ كبير، وأكبر منه أن تلوي عنق النص ليوافق هواك الخاطئ، فانتبه وتأكد قبل أن تقول على الله بلا علم، فتتعرض للوعيد الشديد. قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [1]، وقال تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} [2]. فليس هناك أظلم ممن كذب على الله، وكذب بالصدق إذ جاءه. ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" [3]. فليحذر الذين يبادرون إلى الفتوى بغير علم، وليحذر الذين يشيعون الأحاديث المنكرة والموضوعة من المشاركة في الفتوى بغير علم. [1] سورة الزمر: الآية 32. [2] سورة الزمر: الآية 60. [3] أخرجه البخاري ومسلم، انظر تخريج الحديث: ص32 من هذا الكتاب.