فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى الآيات التى تحذر من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وتنهى عن مخالفته
تجدها كثيرة، وأشير إلى بعضها فيما يلي:
قال سبحانه: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} [1] .
فهذا التحذير الشديد من رب العزة: "واحذروا" "فإن توليتم" يدل على خطورة الإعراض
والمخالفة، وأن النبى صلى الله عليه وسلم، لن يتضرر هو نفسه بإعراض من أعرض، لأنه صلى الله عليه وسلم ما عليه
إلا البلاغ المبين، وقد أبلغ، وقد بين، وأشهدعلى ذلك، وإنما الذى يتضرر هو المعرض
المخالف العاصى! .
وإذا عرف العاقل المدرك، أن الذى يتوعد ويحذر هو ربه عز وجل، فكيف يكون تمسكه بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؟! .
وقال سبحانه: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [2] وفى تفسير هذه الآية يسوق بن العربى بإسناده عن سفيان بن عيينة قال: سمعت مالك بن أنس رضي الله عنه– وأتاه رجل – فقال: يا أبا عبد الله، من أين أحرم؟ قال: من ذى الحليفة [3] من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إنى أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل! قال: إنى أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل! فإنى أخشى عليك الفتنة.
قال: وأى فتنة فى هذا؟ إنما هى أميال أزيدها.
قال: وأى فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم!
إنى سمعت الله يقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو
يصيبهم عذاب أليم} [4] . [1] الآية 92 المائدة. [2] الآية 63 النور. [3] المكان الذى يحرم منه أهل المدينة بالحج، وبه بئر يسمى بئر على، وأصبح الآن يعرف باسم "آبار على" وبه مسجد كبير. [4] أحكام القرآن لابن العربى 3/1400، 1401.