فما كان الإيمان قط كلمات تلوكها الألسنة، وإلا لما توقف في قولها كفار مكة حين طولبوا بالإيمان، وإنما هو تكاليف ومجاهدة ومصابرة.. ودعوى القيام بتلك التكاليف، يحتاج بيان الزائف منها والخالص، إلى ابتلاء وفتنة كمثل فتنة النار الذهب، فلا يبقى منه إلا ما خلص ونصح، فمن أذهبت الفتنة دعوة الإيمان من قلبه، فهو الكذاب الأشر في دعواه الإيمان.
وهذا الأنموذج المتخاذل المستخدم أمام الفتنة والبلاء، شاخص في كل جيل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} (العنكبوت: 10) .
وما كان الله مصوراً بهذا من ضعف لحظة عن احتمال الفتنة، ولكنه يصور بهذا من جعل فتنة الناس كعذاب الله ذلك الذي اختلطت في حسه الفارقات بين ما هو من عذاب الله، وما هو من فتنة الناس، فحسب أنهما سواء، ومثل هذا لا يقوم في قلب خالطه الإيمان مهما بلغ الناس في فنون الفتنة والتعذيب، فكل فتنة ومصيبة دون النار عافية.