((وهذا التجرد لا يطالب به الفرد وحده، إنما تطالب به الجماعة المسلمة، فما يجوز أن يكون هناك اعتبار لعلاقة أو مصلحة، يرتفع على مقتضيات العقيدة في الله ومقتضيات الجهاد في سبيل الله.
وما يكلف الله الفئة المؤمنة هذا التكليف، إلا وهو يعلم أنَّ فطرتها تطيقه.. فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وإنه لمن رحمة الله، بعباده أن أودع فطرتهم هذه الطاقة العالية من التجرد والاحتمال، وأودع فيها الشعور بلذة علوية لذلك التجرد لا تعدلها لذائذ الأرض كلها.. لذَّة الشعور بالاتصال بالله، ولذة الرجاء في رضوان الله، ولذة الاستعلاء على الضعف والهبوط والخلاص من ثقلة اللحم والدم، والارتفاع إلى الأفق المشرق الوضيء، فإذا غلبتها ثقلة الأرض، ففي التطلع إلى الأفق ما يجدد الرغبة الطامعة في الخلاص والفكاك)) .
وفي قوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} ، تهديد بالغ لمن لم ينعتق من أسر حبَّ الأهلين، ومتاع الحياة الدنيا، وتفضيله على حبَّ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والجهاد في سبيل الله جل جلاله.