فأقام الإنسانية أمام فريضة تغيير المنكر، ومنع أهله منه، والأخذ على أيديهم أيَّا كانت نياتهم ومقاصدهم، قياماً لا تستطيع الفكاك منه، والتخلي عنه، أو التوقف فيه؛ لأن في هذا التوقف والتخلي إخراجاً لها من أفق الإنسانية المسلمة وقذفا بها في حمأة الجاهلية وخبالها.
وهو صلى الله عليه وسلم باختياره عناصر المشبه به على هذا النحو، أبلغ في هدي الأمة إلى أنَّ فريضة تغيير المنكر ضرورة حياة، لا ينظر فيها إلى دوافع فعل المنكر ونوازعه، فإن كثيراً من الماحقات قد يكون مبعثها حسن نوايا الجاهلين الحمقى.
إن حسن النية وحده، لا يثمر خيراً ولا يهدي إليه، إلا إذا كان هذا الحسن ثمرة علم وفقه، وحكمه وبصيرة، فأغلق بذلك البيان الباب، في وجه من يتوانى عن تغيير المنكر الواقع اغتراراً بحسن نوايا فاعليه.
وأغلقه في وجه من يتوانى عن التغيير، اغتراراً بالحرية الشخصية، التي بدت في قول المداهنين ((إنما يخرق في نصيبه)) .