.. واحتج حماد بن سلمة بأن الله تعالى أخبر عن موسى عليه السلام وعدوه فرعون بألفاظ مختلفة فى معنى واحد، كقوله تعالى: {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} [1] وقوله تعالى {بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ} [2] ، وكذلك قصص سائر الأنبياء عليهم السلام فى القرآن، وقولهم لقومهم بألسنتهم المختلفة، وإنما نقل إلينا ذلك بالمعنى [3] ، لأن من ذلك ما يطول فيبلغ الحد المعجز، ومنه ما يكون عن لسان أعجمى، ومنه ما يأتى فى موضع بألفاظ، وفى آخر بغيرها … ويطول فى موضع، ويختصر فى آخر" [4] . وهذا يشهد لجواز التعبير عن المعنى الواحد بألفاظ متعددة.
... ومن أقوى الحج كما قاله الحافظ ابن حجر ما حكاه الخطيب البغدادى من: "اتفاق الأمة من جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى، فجوازه باللغة العربية أولى" [5] . وهذا هو أحد وجوه أدلة العقل التى استشهد بها الآمدى فى الإحكام [6] .
... فإن قيل: إن هذه الأدلة السابقة معارضة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: "نضر الله أمراً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه" [7] ومعارض لقوله صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب رضي الله عنه لما استذكر دعاء النوم قائلاً: (آمنت برسولك الذى أرسلت، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم، قل: آمنت بنبيك الذى أرسلت" [8] . [1] جزء من الآية 7 من سورة النمل. [2] جزء من الآية 10 من سورة طه. [3] فتح المغيث للسخاوى 2/214. [4] الأنوار الكاشفة ص 78، ونفس المعنى قاله الدكتور أبو زهو فى الحديث والمحدثون ص 209، وانظر: توثيق السنة فى القرن الثانى الهجرى للدكتور رفعت فوزى ص 425. [5] فتح المغيث للسخاوى 2/214، وانظر: الكفاية ص 303-305، وتدريب الراوى 2/101. [6] الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى 2/94. [7] سبق تخريجه ص 34. [8] سبق تخريجه ص 361.