وكان يقال لهم: القراء لشدة اجتهادهم فى التلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يتأولون القرآن على غير المراد منه، ويستبدون برأيهم ويتنطعون فى الزهد والخشوع وغير ذلك (1)
وهؤلاء القوم تنبأ بهم المصطفى صلى الله عليه وسلم. وحذر الأمة منهم، وحرض على قتلهم، وذلك عندما تجرأ من هو من جنسهم أو نسلهم ذو الخويصرة على النبى صلى الله عليه وسلم. وهو يقسم قسماً قائلاً بتنطع وغلظة "يا محمد اعدل، يا محمد اتق الله" فيقول له النبى صلى الله عليه وسلم.: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل" ويستأذن عمر بن الخطاب، وفى رواية يستأذن خالد بن الوليد النبى صلى الله عليه وسلم. أن يقتله فيقول النبى صلى الله عليه وسلم.: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال أظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلن قتل ثمود [2] .
وهم كما كان مبدؤهم بسبب الدنيا كما فى الحديث السابق، كذلك كان حالهم مع خليفة المسلمين سيدنا عثمان رضي الله عنه خرجوا عليه وقتلوه طلباً للدنيا، وحقداً، وحسداً له، وحملهم على ذلك قلة دين وضعف يقين، وبذلك خاطبهم الإمام على -كرم الله وجهه-.
فروى الطبرى: أن علياً ذكر إنعام الله علىالأمة بالجماعة بالخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم الذى يليه، ثم الذى يليه. وقال: على مسمع من قتله عثمان: "ثم حدث هذا الحدث الذى جره على الأمة أقوام طلبوا هذه الدنيا، حسدوا من أفاء الله عليه على الفضيلة وأرادوا رد الأشياء على أدبارها ثم ذكر أنه راحل غداً إلى البصرة، ليجتمع بأم المؤمنين وأخويه طلحة والزبير وقال: "ألا ولا يرتحلن غداً أحد أعان على عثمان رضي الله عنه بشئ فى شئ من أمور الناس، وليغن السفهاء عنى أنفسهم" [3] .
ويدل على أنهم لم يكن فيهم أحد من أصحاب رسول الله رضي الله عنهم ولا من فقهاء أصحابه من التابعين رضي الله عنهم أجمعين، ما رواه ابن عبد البر بسنده عن ابن عباس [4] -رضى الله عنهما- قال:
(1) فتح البارى 12/296 أرقام 6930-6932. [2] سبق تخريجه ص 62. [3] انظر: تاريخ الأمم والملوك لابن جرير 5/194. [4] ابن عباس: هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، صحابى جليل. له ترجمة فى: الإصابة 1/322 رقم 4799، والاستيعاب 3/933 رقم 1606، واسد الغابة 3/291 رقم 3037، وتاريخ الصحابة ص 148 رقم 717، ومشاهير علماء الأمصار ص 15 رقم 17، وتذكرة الحفاظ 1/40 رقم 18، وتجريد أسماء الصحابة 1/320.