ويستخدم المستشرقون والمبشرون هذا الأصل من أصول المغالطات على نطاقٍ واسع جداً، ويضللون به أيما تضليل.
* * *
الأصل الحادي عشر
الإيهام بأن العلوم ذات المنجزات الحضارية الكبرى تؤيد المذهب الذي يريد أصحاب المغالطة مناصرته.
والحيلة في ذلك أنهم دسوا في العلوم التطبيقية، والوصفية , والرياضية العقلية، تعليلاتٍ وتفسيراتٍ فلسفية للظاهرات المادية. وهذه التعليلات والتفسيرات الفلسفية لا دخل لها بالتطبيق، ولا بالوصف، ولا بالقوانين الرياضية المنطقية العقلية، وما هي إلا آراء نظرية تخيلية، لا دليل عليها إلا التكهن، أو الحدس، أو الرجم بالغيب، أو الادعاء الباطل.
ولكن لما دخلت هذه الآراء زيوفاً وتدليساً وتلبيساً، واندست في ثنايا هذه العلوم، أو في قواعدها الأولى، طفيلية عليها، تمكَّن المضلون من إيقاع دارسي هذه العلوم في توهم أن هذه الآراء المندسة هي مثل سائر مسائل هذه العلوم، في اعتمادها على أدلة حسية، أو تجريبية، أو عقلية، مع أنها في حقيقة الأمر ليست كذلك مطلقاً.
وهنا تكمن المغالطة الشيطانية الخطيرة، وقد أدت هذه المغالطة دورها المؤثر في الأجيال التي نُشِّئَت على مناهج الدراسة الغربية العلمانية، حقبة من الزمن، كما رسم لها شياطين الإضلال والإفساد في الأرض، وكما خطط لها دعاة الإلحاد بالله، ومروجو الإباحية السلوكية، ومدمرو الأخلاق والنظم الاجتماعية الفاضلة.
ومن أمثلة ذلك: دس آراء التطور الذاتي الارتقائي لنشوء الكون، ضمن القضايا الوصفية لظاهرات الكون الطبيعية، لا سيما علم الأحياء. ودس آراء الجدلية التاريخية في علم الاجتماع البشري. ودس الآراء الخيالية لتعليل وتفسير الظاهرات النفسية الوصفية في علم النفس.