للحساب والجزاء، فمنحة الحرية غايتها الابتلاء، وثمرة الابتلاء الحساب والجزاء.
إذن: فكما لا يستفاد من دراسة ظاهرات السلوك الإنسان الإرادي قانون جبري عام، لا يستفاد منها أيضاً صحة السلوك أخلاقياً أو دينياً، ولو دل الاستقراء على أن النسبة الأعظم من الناس قد اختاروا هذا السلوك، ولو دل الاستقراء على أن معظم النجاحات في جمع الثروات، والظفر بالاستئثار بالحكم والسلطان، والوصول إلى الاستمتاع بلذات الحياة، قد كان باتخاذ سلوك معين.
فالقيمة الخلقية للسلوك تحددها النظرة المجرد إلى الحق والخير والفضيلة والجمال والكمال، والقيمة الدينية للسلوك تحددها التعاليم الربانية للناس، وهي التعاليم التي وضع الله الناس تجاهها موضع الامتحان والاختبار للحساب والجزاء، ولا تختلف القيمة الخلقية التي تحددها النظرة المجردة السليمة عن التعاليم الربانية.
فمن التناقض الذي لا يقبل به ذو عقل سليم، اعتبارُ السلوك الإنساني نفسه - ولو كان ظاهرة سلوك معظم الناس ولو حقق لهم نجاحات تسلط وغلبة ووفرة لذات - هو الذي يكشف القيمة الخلقية للسلوك أو يحددها، أو يشير إلى القانون الجبري للسلوك، فهذا السلوك إنما هو ثمرة إراداتٍ منحها الله حرية المشيئة ليمتحنها، هل تفعل خيراً أو تفعل شراً، هل تطيع خالقها أو تعصيه.
إن من التناقض المرفوض عقلاً، أن يوضع المخلوق موضع الامتحان، ليقاس سلوكه بقيم سابقة ثابتة، ثمّ يُعتبر سلوكه الفعلي هو المحدد لهذه القيم، فإذا فعل شراً بمقياس النظرة المجردة، كان هذا السلوك نفسه هو الخير بموجب هذا الاعتبار الفاسد، إذن فما علينا إلا أن نقلب حقائق الأشياء السابقة الثابتة.
إننا لا نفعل مثل ذلك في امتحاناتنا السخيفة التي نجعل فيها قيماً