المسلمين، مما يخالف قضية عقليةً مقطوعاً بها، أو قضية ثابتة بالوسائل العلمية الإنسانية مقطوعاً بها.
ولكن قد يوجد فيما ينسب إلى الإسلام بوجه عامّ نصوص غير ثابتة بصفة قطعية، وآراء اجتهادية غير متفق عليها، قد يتناقض بعضها مع حقائق علمية، أو مع حقائق ثبتت بوسائل العلم الإنساني، ولكن هذه النصوص وهذه الآراء الاجتهادية لا تمثل فكراً دينياً ثابتاً مجمعاً عليه، وغير قابل للتعديل.
ولدى التبصر في هذه المغالطة التي تُسْتَغَلُّ فيها أغاليط الناس، لتثبيت دعوى التناقض بين الدين والعقل، ودعوى التناقض بين الدين والعلم، مع أن الدين الحق تنزيل رباني لا يصح نسبة أغاليط الناس إليه، ولا جعلها إحدى عناصره وبعض مكوّناته، لدى التبصر في هذه المغالطة ينكشف باطلها، ويظهر زيفها، فيرفضها العاقل الحصيف المنصف، وينبذها سخيفة مهما زينها المبطلون أعداء الدين الحق المنزل من عند الله، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
جـ- قصة انتشار هاتين الدعويين:
قبل النهضة العلمية المعاصرة، التي استخدمت فيها وسائل الملاحظة والتحليل والتركيب والتجربة الحسية التطبيقية على الأشياء ظهرت فكرة تمجيد العقل وقدرته على معرفة حقائق الأشياء كلها، وبدأ الترويج لفكرة وجود التناقض بين الدين والعقل من قبل أعداء الدين وأجرائهم.
وافتتن المتنورون يومئذٍ بالعقل افتتاناً عظيماً، وأعطوا لآرائه ومفاهيمه صفة العصمة عن الخطأ في كل شيء يملكه أو لا يملكه، حتى الأغاليط التي كان المفكرون والفلاسفة يقعون فيها بحكم كبوات الأفكار، أو نوازع النفوس ونوازغها، كان المتنورون يمجدونها على أنها أحكام عقلية صحيحة، وربما نظر عامتهم إليها على أنها قطعيات عقلية.
وانتشرت هذه الفتنة بالعقل وآرائه وتصوراته ولو لم تكن أحكاماً