الذهنية وخطط الأفكار، هو كائن بالفعل لا بالقوة، وله ذاتية مستقلة كاملة، وليس فيه مجال للإمكان، أي: لا يحتمل غير الواقع الذي وجد فيه، فلا يمكن أن يكون على خلاف ذلك، إذ تمثلت فيه ماهيته كاملة.
فألغى سارتر بادعائه نفيَ الإمكانات، حقيقةً كبرى من حقائق هذا الكون الحادث، الخاضع لإمكانات لا حصر لها، والواقعُ الموجود فيه هو صورة واحدة من الصور الممكنة عقلاً، بدليل أن ما نملك القدرة على التغيير فيه، نجده يتغير وفق الصورة الممكنة التي نرسمها له ذهناً، وبهذا يخترع المخترعون، ويبتكر المبتكرون، ويصنع الصانعون.
النوع الثاني: وجود الأشياء في الشعور، وهو ما يعبّر عنه في الفلسفة القديمة "الوجود الذهني".
وأطلق سارتر على هذا النوع من الوجود عنوان "الموجود لذاته". أي: إنه موجود في الشعور ليحقق نفسه، ليحقق ذاته فقط، لا ليحقق ماهية خارجة عنه.
قال: وهذا الموجود لذاته هو أقرب إلى "مشروع وجود" منه إلى الوجود المكتمل الثابت، لأنه متغير، قوامه النزوع المستمر نحو المستقبل، والتنصّل المستمرّ من الماضي. فهو موجود له في كل لحظة حالة غير حالة اللحظة السابقة، على خلاف الأشياء المادية ذوات الذاتية الثابتة.
قال: ولما كان "الشعور" بطبيعته غير مستقر، كان محالاً أن تتحدد ماهيته، كما تتحدد ماهيّات الأشياء الخارجية. ومن هنا كانت حرية الإنسان هي صميم وجوده الشعوري القلق، فهو حرٌّ لأنه يخلق نفسه بنفسه كل لحظة.